إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (10) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة العاشرة: السر في أنه تعالى في حق اليهود لم يقل قالوا إنا يهود بل قال {اليهود} وفي حق النصارى قال:” قالوا إنا نصارى”

أقول: أن اسم اليهود في القرآن أطلق على الدين المحرف الذي ادعى اتباعه أنهم على دين موسى لكنهم حرفوه، وقوام دينهم تفضيل أنفسهم وقولهم: إنهم أولياء لله من دون الناس وأنهم َيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، ووصفهم بالجرأة على الله بقوله: {وقالت اليهودُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} والجرأة على عباد الله، والسياق في الآية جاء لبيان أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا فهذه التسمية حقيقية وكافية في بيان عداوتهم وليس فيها ادعاء لا سيما إن كان اشتقاق اليهود من (ه، و، د)، الدال على عدم تصلب في الدين الحق أوأنهم مالوا عن دين الإسلام دين موسى وهو خير إلى الكفر والشر، بخلاف النصارى فسواء قلنا أصل الكلمة النصرة أو الانتساب إلى سيدنا عيسى عليه السلام وشريعته ففي كلا الاحتمالين تعليل لهذه المودة هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنه لما مدح النصارى فقد يتوهم صحة ما هم عليه وأنهم أنصار عيسى حقيقة أو منسوبون إليه حقيقة بين أنهم ليسوا على دين صحيح بقوله {قالوا إنا نصارى} [1] والله أعلم.

***************

 

[1]وللشيخ الشربيني رأي آخر حيث قال:”إنما أسند تسميتهم نصارى إليهم دون تسمية اليهود لأنهم الذين سموا أنفسهم نصارى حين قال لهم عيسى عليه السلام: {من أنصاري إلى الله} (آل عمران، 52) الآية، أو لأنهم كانوا يسكنون قرية يقال لها: ناصرة وكلهم لم يكونوا ساكنين فيها، وعلى التقديرين فتسميتهم نصارى ليست حقيقة بخلاف تسمية اليهود يهوداً فإنها حقيقة سواء سموا بذلك لكونهم أولاد يهودا بن يعقوب أو لكونهم تابوا عن عبادة العجل بقولهم: إنا هُدْنا إليك أو لتحرّكهم في دراستهم”. السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير للشربيني (1/ 391).