إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (8) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الثامنة: أصل كلمة النصارى
اتفق العلماء على أن كلمة النصارى جمع، واختلفوا في كونها جمعا لأي شيء وفي المسألة أربعة أقوال:
القول الأول:
{النَّصَارى} جمع نصران بمعنى نصراني[1]، وهو الممتلئ نصراً [2] أي القوي في النصرة، كما أن الغضبان هو الممتلئ غضباً، ومثله في المفرد والجمع في ذلك: نْدمان ونَدامى، سكران وسكارى،، ونشوان ونشاوى، وكذلك كل نعت كان واحده على فعلان، فإن جمعه على فَعالى، إلا أن المستفيض في كلام العرب في واحد النصارى نصرانيّ فالمفرد نصران إِلا أَنه لم يستعمل في الأكثر إِلا بياءِ النسب (نصراني)، وورد سماعا نطقهم بنصران ونصرانة ولكنه قليل، وإن أنكره البعض كقول الشاعر يصف الحرباء:
تَرَاهُ إِذَا دَارَ الْعَشِيُّ مُحَنِّفًا… وُيُضْحِي لَدَيْهِ وَهْو نَصْرَانُ شَامِسُ. [3]
ويقال في مؤنث نصران نصرانة كندمان وندمانة فيقال: رجلٌ نصرانٌ وامرأة نصرانةٌ أنشدوا: كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ.
وهذا مذهب سيبويه والزمخشري ورجحه الطبري ومكي وأبو حيان والسمين الحلبي وابن كثير وابن الهائم والشربيني وأبو السعود والآلوسي وجمهور المفسرين.
ثم زيدت ياء النسبة فقيل: نصرانيّ فهو لا يستعمل في الكلام في الأغلب إلا بياء النسب فيقال نصرانيّ، وقال الزمخشري: الياء في نصراني للمبالغة [4] إشارة إلى أنه عريق في وصفه، كقوله: رجل أحمري، إشارة إلى أنه عريق في وصفه وأنه منسوب إلى ذلك عريق فيه لا مجرد موصوف بالحمرة، والدهر بالإنسان دوَّاري.
وتبعه البيضاوي والنسفي وأبو السعود والآلوسي واطفيش وسيد طنطاوي.
القول الثاني:
قالوا “النصارى ” جمع واحده نصراني، والياء في نصراني: للوحدة، كزنجي من زنج، وروم رومي.
القرطبي والماوردي[5].
القول الثالث:
جمع نصريّ كـبَعِيرٌ مَهْرِيّ وإبل مَهَارى، حذفت إحدى ياءيه، وفتحت الراء، وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف فقلبت الياء ألفاً، وإلى ذلك ذهب الخليل وأجازه الخليل والزجاج.
القول الرابع:
جمع ناصري[6] نسبة إلى الناصرة[7]، وهي قرية نشأت فيها مريم أم المسيح عليهما السلام ونشأ فيها المسيح عليه السلام، وقد خرجت مريم عليها السلام من الناصرة قاصدة بيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم ولذلك كان بنو إسرائيل يدعونه يشوع الناصري، فلما نسب أصحابه إليه قيل النصارى نسبة إلى الناصرة التي نسب إليها المسيح، فهذا وجه تسمية أتباعه بالنصارى.
روي عن ابن عباس واختاره ابن جريج وقتادة ومقاتل والأصمعي وابن عاشور والهواري والمراغي وابن أبي زمنين والتحقيق قدمه السمين الحلبي في الذكر.

 

[1] وهو نكرة يعرف بالألف واللام ولذلك دَخَلَتْ عليه أَلْ وَوُصِفَ بالنكرةِ
[2] قال المصطفوي في التحقيق الأصل الواحد في المادة أي مادة (ن، ص، ر) هو إعانة في قبال مخالف، أما الإعانة فهي تقوية شيء في نفسه ومن دون نظر إلى غيره “(12/155).قال محمد حسن جبل: ” المعنى المحوري: “الإمداد بما فيه زيادة مناسبة وقوة ومن ملحظ الإمداد بالزيادة والقوة جاءت النصرة: حسن المعونة “.
[3] قوله: (مُحنَّفا). تحنف: صار إلى الحنيفية، والمراد أنه مستقبل القبلة، (شامس) مستقبل الشمس كما يستقبلها نصراني،
قال أحمد محمد شاكر في تحقيقه على الطبري (2/144): لم أعرف قائله. الأضداد لابن الأنباري: 155، ورواه: “تراه ويضحى وهو.. ” ونقله أبو حيان في البحر المحيط 1: 238 عن الطبري، وفيهما”إذا دار العشي” وأخطأ والبيت في صفة الحرباء. و”محنفا”: قد تحنف، أو صار إلى الحنيفية. ويعني أنه مستقبل القبلة. وقوله: “لديه”، أي لدى العشي، ويريد قبل أن يستوي العشي أو لدى الضحى، ويكون قد ذكره في بيت قبله. وقوله: “شامس”، يريد مستقبل الشمس، قبل المشرق. يقول يستقبل الشمس كأنه نصراني، وهو كقول ذي الرمة في صفة الحرباء أيضًا: إذا حول الظل العشى رأيته… حنيفا، وفي قرن الضحى ينتصر
[4] قال الزمخشري:”الياءُ في نَصْرانيّ للمبالغة كالتي في أَحْمَري” الكشاف (1/ 146).
[5] قال الماوردي:”و {والنصارى}، جمع وواحده ” نصرانيٌّ “، وقيل: ” نصران ” بإسقاط الياء، وهذا قول سيبويه، وقال الخليل بن أحمد: واحده نصْرِي، والأول هو المستعمل {والنصارى}” (النكت والعيون/132).
[6] قال ابن عاشور:” إما جمع ناصري أو نصري”، وقال المصطفوي في التحقيق:”على هذا إما جمع ناصريّ أو نصريّ أو نصرانيّ” (6/ 146).
[7] قال في معجم البلدان:” ناصرة قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلا ” (معجم البلدان /ياقوت الحموي (5 /251)،قال ابن عطية: “ويقال نصريا ويقال نصرتا”، قال القاموس:” ونَصْرَانَةُ: قرية بالشامِ، ويُقالُ لها ناصِرَةُ ونَصورِيَةُ أيضاً، يُنْسَبُ إليها النصارى، أو جَمعُ نَصْرانٍ، كالنَّدامَى جمعُ نَدْمانٍ، أو جمعُ نَصْرِيٍّ، كمَهْرِيٍّ ومَهارَى” (القاموس المحيط/ 482 فصل النون)، وقال تاج العروس: “قَالَ ابنُ دُرَيْد: النَّصارى منسوبون إِلَى نَصْرَانة، وَهِي مَوْضِع، هَذَا قَول الأصمعيّ، وَقيل: هِيَ قرية بِالشَّام، وَيُقَال لَهَا ناصِرَة، وَهِي الَّتِي طَبَرِيَّة، وَقد تقدّم عَن اللَّيْث، قَالَ غيرُه: هِيَ نَصُوريَة، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف التحتيَّة، كَمَا ضَبطه الصَّاغانِيّ. وَيُقَال فِيهَا أَيْضا: نَصْرَى بِالْفَتْح، ونَصْرُونة، يُنسَب إِلَيْهَا النَّصارى قَالَ ابنُ سِيدَه: هَذَا قولُ أهلِ اللُّغَة، قَالَ: وَهُوَ ضعيفٌ إلاّ أنّ نادرَ النَّسَبِ يسَعُه، أَو النَّصارى جمعُ نَصْرَانٍ، كالنَّدامى جمع نَدْمَان، وَلَكنهُمْ حذفوا إِحْدَى الياءَيْن، كَمَا حذفوا من أُثْفِيَّة وأبدلوا مَكَانهَا ألفا كَمَا قَالُوا صَحارى، وَهَذَا مذهبُ الخليلِ وَنَقله سِيبَوَيْهٍ. أَو النَّصارى جَمْعُ نَصْرِيٍّ، كمَهْرِيٍّ وإبلٍ مَهارى، فَهِيَ أَقْوَال ثَلَاثَة” تاج العروس(14/ 229″
قال الآلوسي:” يقال لها ناصرة أو نصورية ” روح المعاني(3 / 268).