أنا بنت محجبة و ملتزمة فهل يجوز لي أن أمشي في الشارع مع صديقتي غير المحجبة مع أنها إنسانة في غاية الأدب و الأخلاق؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أنا بنت محجبة و ملتزمة فهل يجوز لي أن أمشي في الشارع مع صديقتي غير المحجبة مع أنها إنسانة في غاية الأدب و الأخلاق؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، و بعد:

جاءت نصوص الشريعة بالحض على اختيار الصحبة الصالحة و ملازمة الصالحين، و النهي عن مجالسة أهل السوء و مرافقتهم  فهذا الأصل في اختيار الأصدقاء و مصاحبتهم و مرافقتهم و المشي معهم
و لكن  أحياناً قد يعتري هذه الحالة بعض الأحكام الخمسة ، فقد يكون الحكم بالتحريم أو الكراهة على حسب الحال ، كما إذا ترتب على ذلك التأثر بها و ترك الحجاب مثلاً  ، و  كما لو  أدى المشي معها إلى احتمالية إساءة الظن بكِ أو بأنكِ ترتضين ترك الحجاب مثلاً  و لا تنكرينه، أو  ربما أدى المشي معها إلى تعرضك لمضايقات الرجال و لفت نظرهم إليكما و غير ذلك من الآثار  أو السمعة السيئة التي قد تلحق بكِ بسبب مرافقتها
و قد يكون الأمر على الإباحة أو الاستحباب إذا تيقنتِ من تجنب ما سبق من الآثار السيئة و  كانت هنالك حاجة شرعية معتبرة لك أو لها ، كما لو  دعت الحاجة لذلك بسبب عمل أو دراسة أو قضاء حاجة ما أو غير ذلك ، أو كنت ترتجين بمصاحبتها التأثير عليها و هدايتها و حثها على الالتزام بالأحكام و العبادات مع ضمانة أنك لا تتأثرين بها ، فلا مانع عندئذ و لكن الأمور تقدر بقدرها و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، و الله أعلم

 

التفصيل و البيان :

لا يخفى على عاقل أثر الصحبة و الأصدقاء على سلوك الفرد و دينه و أخلاقه، و لذلك جاءت نصوص الشريعة بالحض على اختيار الصحبة الصالحة و ملازمة الصالحين، و النهي عن مجالسة أهل السوء و مرافقتهم يقولُ اللهُ سبحانه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة 119]، و يقول تعالى أيضاً : ﴿الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ  ﴾ [الزخرف 67]
و كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ: -و ذكر منهم- : وَرَجُلَانِ تَحَابّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، …». متفقٌ عَلَيْهِ. (1)
وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». رواه أَبُو داود والترمذي (2)

و قد عنون الإمام مسلم في صحيحه باباً خاصاً في هذا الموضوع لأهميته فقال :(بَاب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء)، ثم أورد حديث ‌أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.» متفق عليه (3)
– يقول النووي في شرح صحيح مسلم عند هذا الحديث : ( فِيهِ تَمْثِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ الْمِسْكِ وَالْجَلِيسَ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ )(4)

– و يقول ابن علان في كتابه دليل الفالحين في شرح رياض الصالحين معلقاً على هذا الحديث :( أي فجليس الصاحب السيء إما أن يحترق بشؤم معاصيه، قال تعالى:{واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال: 25)، وقال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} (هود: 113) ، وإما أن يدنس ثناءه بمصاحبته، وقد ورد «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» ففي الحديث بيان نتائج كل من صحبة الأخيار والأشرار) (5)

– و يقول الإمام العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري :(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ النَّهْي عَن مجالسة من يتَأَذَّى بمجالسته، كالمغتاب والخائض فِي الْبَاطِل، وَالنَّدْب إِلَيّ من ينَال بمجالسته الْخَيْر من ذكر الله وَتعلم الْعلم وأفعال الْبر كلهَا. وَفِي الحَدِيث: (الْمَرْء على دين خَلِيله، فَلْينْظر أحدكُم من يخالل) (6)

– و بعد ذكر هذه المقدمة الضرورية نعود للإجابة على السؤال فنقول:

أولاً- ينبغي أن نعلم أن معيار الأدب و الصلاح ليس هو حسن التعامل و التحلي ببعض الأخلاق المجتمعية الحسنة فقط، بل هو الالتزام بضوابط الشريعة و بأحكام الحلال و الحرام و المحافظة على العبادات مع التحلي بمكارم الأخلاق، لذلك -مع حسن الظن بصديقتك هذه-، فإنه لا يُحكم لها بالصلاح مع تركها لفريضة الحجاب .. و بالتالي ينطبق عليها الحكم بما جاءت به نصوص الشريعة من النهي عن مصاحبتها و المشي معها ..، ، فهذا هو الأصل في اختيار الأصدقاء و مصاحبتهم و مرافقتهم و المشي معهم

– و للتفصيل أكثر  في الحكم نقول:  أحياناً قد يعتري هذه الحالة بعض الأحكام الخمسة ، فقد يكون الحكم بالتحريم أو الكراهة على حسب الحال ، كما إذا ترتب على ذلك التأثر بها و ترك الحجاب مثلاً  ، و  كما لو  أدى المشي معها إلى احتمالية إساءة الظن بكِ أو بأنكِ ترتضين ترك الحجاب مثلاً  و لا تنكرينه، أو  ربما أدى المشي معها إلى تعرضك لمضايقات الرجال و لفت نظرهم إليكما و غير ذلك من الآثار  أو السمعة السيئة التي قد تلحق بكِ بسبب مرافقتها كما مر معنا في الأحاديث الشريفة

و قد يكون الأمر على الإباحة أو الاستحباب ، إذا تيقنت من تجنب ما سبق من الآثار السيئة و  كانت هنالك حاجة شرعية معتبرة لك أو لها ، كما لو  دعت الحاجة لذلك بسبب عمل أو دراسة أو قضاء حاجة ما أو غير ذلك ، أو كنت ترتجين بمصاحبتها التأثير عليها و هدايتها و حثها على الالتزام بالأحكام و العبادات مع ضمانة أنك لا تتأثرين بها ، فلا مانع عندئذ و لكن الأمور تقدر بقدرها و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، و الله أعلم

بناء على ما سبق:

  ينبغي عليك أيتها الأخت أو البنت الكريمة أن تتخيري لنفسك من الصديقات من تتوسمين فيهن الصلاح مع الالتزام بالعبادات و الأحكام و حسن الخلق ، و لا مانع أن ترافقي أو أن تمشي مع بعض الصديقات غير الملتزمات بالحجاب بقدر الحاجة و  بشرط السلامة من الآثار السيئة التي ذكرناها أعلاها ،مع عقد النية و السعي في التأثير عليها و هدايتها و حثها على الالتزام ، و نسأل الله تعالى لك و لها و لنا جميعاً الهداية و التوفيق و الثبات. و الله أعلم

المصادر و المراجع :

1- رياض الصالحين للإمام النووي ، رقم (٤٤٩) صفحة (159)
2- رياض الصالحين للإمام النووي : رقم (367) صفحة (133)
3-  صحيح البخاري : [7\96] رقم ( 5534 )، و صحيح مسلم : [8\37] رقم (2628)

4- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، دار إحياء التراث العربي ، ط2،[16\178]
5- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ، للإمام ابن علان الشافعي ، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ،  ط 4، [3\226]
6- كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، للإمام العينى،  [11\221]