حول الإخلاص: حوار في صدق النية ومحاسبة النفس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد ورد في الرسالة القشيرية قصة شاب كان يُقيم مجلسًا فإذْ به سمع من شيخ كلاما حول الإخلاص كيف هو وكيف ينبغي أن يكون عند القيام بالعمل، فوجده ثقيلا عليه ومِن ذلك اليوم عزم ألا يذهب إلى المجلس بعدها وانقطع عنه حتى تضرر لسبب ذلك[1]. فافتقده الشيخ وسأل عنه حتى اجتمع به فسأله عن غيابه فأجاب: (سمعت منك ذلك الكلام فخفتُ على نفسي.) فقال له: (يا بني! ليس هذا هو الحل، نحن نَدُلُّكَ على الإخلاص في العمل ولا نَدُلُّكَ على ترك العمل.)

اِعمَل؛ الإنسان قد تُداخله بعض الأفكار أني أعمل هذا العمل الصالح وأخاف من الاهتمام بالناس واهتمامهم بعملي، فعليه ألا يلتفت، وأن يصحح النية.  فحتى لو كان من أهل الرياء فعلا، يثبت على عمله؛ كما قالوا: (طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله).[2]

وكل عمل كذلك:
كما أن الصلاة قد لا تكون كاملة لِما قد يأتي فيها من خواطر، فليس الحل ترك الصلاة، بل الحل التصحيح، ويكون ذلك بالتدريب.

وعلى الإنسان أن يثبت على عمله، وإنْ أَتَتْهُ خواطر ووساوس وأفكار. هواجس النفس مثل وساوس الشيطان، علاجها إهمالها.

فرع: في مسألة الإنسان لا يحب الظهور وإذْ هو بهذا الحال قد يأتيه هاجس نفساني أن يلاحظ الناسُ كرهه الظهور

فهذه من الخفايا والدقائق يُحَذَّر منها في التربية، وكما سبق القضية إهمال هذه الهواجس من الاعتبار وثبات الإنسان على ما هو عليه من عمل وهكذا تذهب الهواجس وما كان في حكمها وحدها. ويساعد الإنسان على ذلك: الصفاء. ومن وسائل الحصول عليه:

  • الذكر
  • الصحبة
  • المجاهدة
  • تدريب ورياضة النفس

لا تستطيع أن تجعل الظلام عدمًا ولكنك تستطيع أن يكون هناك نور، فإذا كان هناك نور ذهب الظلام

مَن عرف الله لا يكون عبدا للظهور ولا عبدًا للخفاء بل يكون عبدا لله؛ كيفما أقامه فهو مستسلم له ظاهرًا وباطنًا ولا يلتفت، إن أقامه في شيء رضي وإن أقامه في آخر رضي، ولا يعود يلتفت إلى هذه الأمور.

فرع: في مسألة الإنسان يحترمه الناس لعمله الدعوي ولا يرى نفسه مستحقا لهذه المعاملة منهم بما فيهم ممن أعلى منه رتبة في العلم

الإستحقاق من أمر الله، فلو نظرنا إلى الأهلية فليس منا أحد هو أهل لشيء لذاته. الذي حصل هو الذي خصصتْهُ الإرادة (الإلهية) فهو من أمر الله وليس لنا من الأمر من شيء.
ثم إنك لا تنظر إلى ظاهر الأشياء، بل انظر أن الله هو الذي يحركهم ويحرك قلوبهم، وأنت مثلهم في قبضة الله عز وجل، تبادلهم نفس المحبة والاحترام. في كل شيء انظر أنه من الله وقل (الحمد لله) فسيدفعك هذا إلى أشياء كثيرة.

قيل: (من حسن فيكم الظن فصدّقوه)
ليس بأَنْ تقولوا صدقتَ، قولك وظنك حق، إني كما قلتَ وظننتَ، بل معناه: كونوا عند حسن ظنه، صدّفقوه بالعمل، بأنكم فعلا كذلك.

وقيل أيضا:
أنَّ أبا حنيفة حين شاع على ألسنة الناس القول بأنه كان يصلي الفجر بوضوء العشاء ألزم نفسه به، وجعلها لنفسه إشارة من الله عز وجل

اللهم اجعلنا لك مخلصـين، لك مستجيبين إليـك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

______________________

[1]الضمير: المجلس
[2]قاله غير واحد ممن سلفنا من أهل العلم، شرح معناه الذهبي في السير قائلا:
(نعم يطلبه أولا والحامل له حب العلم وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك ولم يكن عَلِم وجوب الإخلاص فيه ولا صدق النية فإذا علم حاسب نفسه وخاف من وبال قصده فتجيء النية الصالحة كلها أو بعضها وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم)