هل يجوز ترجمة القرآن إلى لغات أخرى؟ وإذا جاز فكيف ينبغي أن يفعل؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى

السؤال

 هل يجوز ترجمة القرآن إلى لغات أخرى؟ وإذا جاز فكيف ينبغي أن يفعل؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
التّرجمة هي: نقل الكلام من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى، كنقل الكلام من العربيّة إلى الإنجليزيّة أو التركية مثلاً.
ومعنى نقل الكلام من لغة إلى أخرى: التعبير عن معناه بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده، كأنك نقلت الكلام نفسه من لغته الأولى إلى اللغة الثانية؛ وبناء عليه فيجوز ترجمة القرآن إلى لغات أخرى، بشرط أن تكون الترجمة معنوية تفسيرية.(1)
وللإجابة عن الشق الثاني من السؤال، وهو كيف ينبغي أن نترجم القرآن؟ لابد أن نتعرف على أقسام الترجمة؛ فالترجمة تنقسم إلى قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة معنوية.

أمّا القسم الأول: الترجمة الحرفية للقرآن

 ويقصد بها: نقل اللّفظ إلى نظيره في اللّغة الأخرى، مع الموافقة في النّظم والتّرتيب؛ بحيث تحلّ مفرداتُ الترجمة محل مفردات القرآن، وأسلوبُها محلَّ أسلوبه.(2) وبناء على تعريف هذا النوع من الترجمة نرى أنها ترجمة غير ممكنة للقرآن للأسباب الآتية:
1- قال الله تعالى في حق القرآن: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ ‌الْإِنْسُ ‌وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88]  فإذا أعجز القرآنُ البشرَ عن أن يأتوا بسورة مثله، فكيف يأتون بمفردات تحلُّ محلَّ مفرداته؟!
2- كما أن القرآن  بالإضافة لكون تلاوته عبادة وقربة، فهو في نفس الوقت كتابٌ تُستنبط منه الأحكام، وهذا الاستنباط لا يؤخذ فقط من المعاني الأصلية التي يَسهل فهمها والتعبير عنها بلغات أخرى، بل إن كثيراً من الاستنباطات إنما تستفاد من المعاني الثانوية فيه، كإشارة النص، ودلالة النص، وهذه المعاني لازمةٌ للقرآن لا تنتقل إلى اللغات الأخرى، كما أنه من غير الممكن أن تبقى المعاني الثانوية في الترجمة الحرفية.
مثال للترجمة الحرفية للقرآن: ترجمة قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ ‌مَغْلُولَةً ‌إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29] سنقول: «لا تربط يدك إلى عنقك ولا تمدها غاية المد .. ». وهذا تعبير بعيد عن المقصود الحقيقي للآية، يثير استنكار القارئ غير العربي، ولا يُفهم منه المعنى الذي قصده القرآن وما فيه من التشبيه البليغ.(3)
وكذلك الحال لو أراد أن يترجِم حرفياً قول الله تعالى: ﴿هُنَّ ‌لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] فلن يستطيع الإتيان بما في الآية من الاستعارة…وهكذا.

القسم الثاني: الترجمة المعنوية للقرآن:

 ويقصد بها: بيان معنى الكلام في لغة أخرى، بما يتطابق فيه المقصود في اللّغة المنقول عنها، واللّغة المنقول إليها، دون تقيّد بمراعاة المقابَلات اللّفظيّة؛ فهي في واقع الأمر تفسيرٌ لمعاني القرآن، لكنه مكتوب بلغة أخرى غير لغة القرآن، ويكون: بأن نفهم المعنى المراد من النص القرآني قدر طاقتنا ثم التعبير عنه باللغة الأخرى، على وفق الغرض الذي سيق له؛ لذلك سماها العلماء أيضاً: بالترجمة التفسيرية، وهي بالمقارنة مع الترجمة الحرفية التي سبقت الإشارة إليها ممكنة؛ لأنها تمثل تفسيراً للقرآن بلغة أخرى. (4)
ومثال الترجمة التفسيرية للقرآن: تفسير الآية السابقة ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ ‌مَغْلُولَةً ‌إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29] فلو أردنا ترجمتها ترجمةً معنويةً تفسيريةً، فسنبين نهيَ القرآن عن الضدين: التقتير والتبذير، وقد عرضهما القرآن مصوّرين بصورةٍ شنيعةٍ ينفر منها الإنسان.

بعض الأمور المتعلقة بترجمة القرآن:

كِلاَ الترجمتين السابقتين للقرآن تُخرجان القرآنَ عن كونه قرآنا نَتعبَّدُ الله تعالى بتلاوته.
– ينبغي تنبيه غير العربيّ أنّ هذه الترجمة لمعاني القرآن ما هي إلا اجتهاد بشري لبيان معاني كلام الله، يجوز فيه الوهم والغلط والقصور ، وأنها ليست هي القرآن؛ لهذا يفضَّل أن يراعى في طباعة الترجمة المعنوية للقرآن اشتمالُ الطبعة على القرآن أولاً، ثم تفسيره العربي ثانياً، ثم يُتبع ذلك بترجمته المعنوية التفسيرية. (5)
– تلتحق ترجمة القرآن بسائر كتب التّفسير؛ لهذا يجب أن يكون لها من الحرمة والمنزلة ما لكتب التفسير. (7)

– من فوائد الترجمة المعنوية التفسيرية للقرآن:

  • رفع النقاب عن جمال القرآن ومحاسنه لمن لم يستطع أن يراها بمنظار اللغة العربية من المسلمين الأعاجم.
  •  إزالة الحواجز والعقبات التي أقامها الحاقدون على الإسلام للحيلولة بينه وبين عشاق الحق من الأمم الأجنبية وهذه الحواجز ترتكز في الغالب على أكاذيب افتروها تارة على الإسلام وتارة أخرى على نبي الإسلام.
  • دفع الشبهات التي لفَّقها أعداء الإسلام وألصقوها بالقرآن وتفسيره كذباً وافتراء ثم ضللوا بها هؤلاء المسلمين الذين لا يحذِقُون اللسان العربي.
  • تنوير غير المسلمين من الأجانب في حقائق الإسلام وتعاليمه خصوصًا في هذا العصر القائم على الدعايات.
  • براءة ذمتنا من واجب تبليغ القرآن بلفظه ومعناه، فإن هذه الترجمة جمعت بين النص الكريم بلفظه ورسمه العربيين وبين معاني القرآن على ما فهمه المفسر وشرحه باللغة الأجنبية.(9)

وأخيراً:

تجوز ترجمة القرآن الكريم ترجمة معنوية تفسيرية، وهي بمثابة تفسير للقرآن، أما الترجمة الحرفية فهي مستحيلة، بل قد تحرم في كثير من الأحيان؛ لما فيها من تحريف القرآن وتحريف معانيه. والله تعالى أعلم.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1): ينظر: مناهل العرفان للزرقاني (2/110).
(2):ينظر: التفسير والمفسرون محمد حسين الذهبي (1/19)، علوم القرآن الكريم د. عتر ص117.
(3): ينظر: مناهل العرفان للزرقاني (2/112)؛ علوم القرآن الكريم د. عتر ص117.
(4):ينظر: التفسير والمفسرون للذهبي (1/19)؛ مناهل العرفان (2/133)؛ علوم القرآن الكريم د. عتر ص117.
(5):ينظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص355.
(6): المقدمات الأساسية لعلوم القرآن ص357.
(8): مناهل العرفان (2/139).
(9): ينظر: مباحث في علوم القرآن مناع القطان ص323.
وينظر للاستزادة حول الموضوع: تاريخ القرآن الكريم لـ محمد طاهر بن عبد القادر الكردي ص190؛المدخل لدراسة القرآن الكريم لـ محمد أبو شهبة ص441؛ الأصلان في علوم القرآن محمد عبد المنعم القيعي ص377؛ مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص323.

[الشيخ] أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.