هل يجوز لي أن أعلم أهلي ما أتعلمه من الأحكام مع أنني لست بعالم؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

هل يجوز لي أن أعلم أهلي ما أتعلمه من الأحكام مع أنني لست بعالم؟

الجواب

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه
فإن تعليم العلم يدخل في فروض الكفايات؛ إذْ لابد من وجود من يعلم المسلمين أمور دينهم،و لا يشترط أن يكون الإنسان عالما ليعلم أهله بل إن تعلم شيئا من أمور دينه و توثق منه جاز له تعليمه أهله ،
وقال النووي رحمه الله: اعلم أن التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين، وبه يُؤمن إمحاق العلم، فهو من أهم أمور الدين وأعظم العبادات وآكد فروض الكفايات.
قال الله تعالى:
﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ﴾ آل عمران : ١٨٧
وفي الصحيح من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ليبلغ الشاهد منكم الغائب»([1])
والأحاديث بمعناه كثيرة، والإجماع منعقد عليه([2])
ويقول ابن كثير رحمه الله:
فعلى العلماء أَن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدَّالِّ على العمل الصَّالح، ولا يكتموا مِنه شيئًا([3]).
وكان النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يحضُّ أصحابه على تبليغ ما يسمعونه؛ لينتفع به من بعدهم زمانًا، ففي حجَّة الوداع قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(لِيُبلغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ)([4]) [3].
وقال المعلِّم عليه الصَّلاة والسَّلام: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»([5]) ،
وكان صلَّى الله عليه وسلَّم سبَّاقًا لتعليم العلم ونشر دين الله، فكان عليه الصَّلاة والسَّلام يستغل كل موقف وكل حدث ليبلِّغ رسالته. وكذلك كان صحابته رضوان الله عليهم و التابعين من بعدهم

فضل نشر العلم:

 

  • 1- كثرة الأجر ومُضاعفته؛ لقول النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»([6])، ولقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»([7]).
  • 2- الفوز بصلاة الله، وصلاة ملائكته ومخلوقاته؛ قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ»([8]).
  • 3- العون وقضاء الحاجة؛ لأنَّ ناشر العلم يسعى في قضاء أعظم حاجةٍ وأمسِّها؛ ألا وهي حاجة الخَلق إلى الفقه والتَّعلم في الدين؛ كما جاء عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ»([9]).
  • 4- النَّضارة والبهجة: وذلك بدعاء الحبيب عليه السَّلام: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ»([10]).
  • 5- الخيريَّة والأفضليَّة: فعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»([11])، والقرآن خير العلوم وأشرفها.
  • 6- نمو العلم واستمراره: كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدَّرداء رضي اللَّه عنهما: «إِنَّ الْعِلْمَ كَالْيَنَابِيعِ يَغْشَاهُنَّ النَّاسُ، فَيَخْتَلِجُهُ هَذَا وَهَذَا، فَيَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّ حِكْمَةً لاَ يُتَكَلَّمُ بِهَا كَجَسَدٍ لاَ رُوْحَ فِيهِ، وَإِنَّ عِلْمًا لاَ يُخْرَجُ، كَكَنْزٍ لاَ يُنْفَقُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ كَمَثَلِ رَجُلٍ حَمَلَ سِرَاجًا فِي طَرِيقٍ مُظْلِمٍ، يَسْتَضِيءُ بِهِ مَنْ مَرَّ بِهِ، وَكُلٌّ يَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ»([12]) .
  • 7 – التَّأسي بأنبياء الله: بعث الله رسله مبشِّرين ومُنذِرين يُعلِّمون النَّاس ما أرسلوا به، وينشُرون دعوة الله ورسالاته؛ ليُخرجوا النَّاس مِن الظُّلمات إلى النُّور ومِن الجهل إلى العلم؛ قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا﴾ الأحزاب: 21.
وهذا هو عمل المربِّي والمُعلِّم والعالم؛ نشر العلم ونفض غبار الجهل عن النَّاس، فيكسب بذلك أجر التَّأسِّي.

وليعلم طالب العلم أنه كلما بيَّن العلم ، ازداد هذا العلم ؛ فإن العلم يزيد بزيادة نفسه ، قال الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾

والحاصل :أن التعليم والبيان الشرعي : يجب على الإنسان وجوبا عينيا ، إذا لم يكن يعلم بالمسألة غيره، أو سئل عنها، فيجب البيان ، ويحرم الكتمان إلا لعذر .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

([1])البخاري (67) ومسلم (1679)
([2]) المجموع شرح المهذب 1/27
([3])تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/159
([4])البخاري (67) ومسلم (1679)
([5])البخاري (3461)
([6])البخاري (2942) ومسلم (2406)
([7])مسلم (2674) وابن حبان (112) وأبو داود (4609)
([8])الترمذي (2685) والطبراني (7911)
([9]) البخاري (2442) ومسلم (2580)
([10])ابن حبان (66) والترمذي (2657) ،
([11])البخاري (5027)
([12])الدارمي (574) وابن أبي شيبة (35810)