هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن أمام الرجال في حلقات مختلطة من الرجال والنساء بهدف التعلم؟

 يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى

السؤال

هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن أمام الرجال في حلقات مختلطة من الرجال والنساء بهدف التعلم؟

الجواب

                               

          بسم الله الرحمن الرحيم
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تقرأ القرآن أمام الرجال في حلقات مختلطة من الرجال والنساء بهدف التعلم دون ضرورة؛ فلا معنى ولا مبرر للاختلاط لتعلم القرآن؛ فما أكثر الطرق – في الوقت الحاضر-  الذي تستطيع به المسلمة تعلم القرآن، بله كل أمور دينها، دون اختلاط!!
وهنا ننبه على بعض الأمور المتعلقة بالاختلاط:
  1. إن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بليةٍ وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة؛ لما فيه من إثارة مكامن الغرائز التي تودي بأخلاق المجتمع وقيمه؛ فكم تسبَّب من مفاسدَ لا تَخفى على كل ذي عينين، ولا يجهلُها إلا متجاهلٌ.
  2.  اختلاط الرجال بالنساء سببٌ لإشاعة كثير من الفواحش؛ ففيه اقتحام حصون العِفة، والحصانة، وانتهاكُ الأعراض، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، وهذا الفساد  نتيجةٌ حتميةٌ لمخالفة شرْع الله تعالى، فلا بد من المباعدة بين أنفاس الرجال والنساء ما قدرنا عليه.
  3. لقد أرسى الإسلام قواعِدَ تعامُل الرجال مع النساء الأجانب، فسدَّ كُلَّ المنافذ التي تؤدِّي إلى الحرام، ولو كانتْ مُباحةً في أصلها؛ سدًّا لذريعةِ الفَساد؛ لِمَا في الاختِلاط بِالنِّساء والتحدُّث معهُنَّ – حتى أثناء تعلم القرآن- مِن فتح الأبواب الَّتِي يَلِجُ منها الشَّيطانُ لِقَلْبِ المؤمن، فيُلْقِي فيه الخطرات حتَّى يُوقِعه في المُوبقات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “ما تركْتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرِّجال من النِّساء”. (1)
  4. وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء فقال: “إيَّاكُم والدخولَ على النِّسَاءِ”، فقال رجلٌ مِن الأنصار: يا رسول الله، أفرأيتَ الحَمْوَ؟ قال: ” الحموُ الموتُ”. (2)  فمنع المصطفى صلى الله عليه وسلم أقاربَ الزوج؛ كالأخِ، والعمِّ، والخالِ، وأبنائهم من الدخول على زوجات أقربائهم.
  5. ولا أدل على منع الاختلاط ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفوف الصلاة، فقال: “خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا” (3)  قال النووي في شرحه: “وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، وَرُؤْيَتِهِمْ، وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ، وَسَمَاعِ كَلَامِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ”. وقال الشوكاني: ” ‌إنَّمَا ‌كَانَ ‌خَيْرهَا ‌لِمَا ‌فِي ‌الْوُقُوف ‌فِيهِ ‌مِنْ ‌الْبُعْد ‌عَنْ ‌مُخَالَطَة ‌الرِّجَال، بِخِلَافِ الْوُقُوف فِي الصَّفّ الْأَوَّل مِنْ صُفُوفهنَّ، فَإِنَّهُ مَظِنَّة الْمُخَالَطَة لَهُمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ الْمُتَسَبَّب عَنْ رُؤْيَتهمْ وَسَمَاع كَلَامهمْ وَلِهَذَا كَانَ شَرّهَا”. وقال السندي أيضاً في حاشيته على سنن النسائي: «أي أقلها أجراً، وفي النساء بالعكس؛ وذلك لأن مقاربة أنفاس الرجال للنساء يخاف منها أن تشوش المرأة على الرجل والرجل على المرأة”. كما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتأخر عن الخروج من المسجد هو وأصحابه؛ حتى يدخلَ النساء في بيوتهنَّ، فكُنَّ أولَ من يخرج من المسجد قبل خروج الرجال، وكُنَّ لا يَحْقُقْنَ الطريق، بل يَلتزمْنَ حوافَّه؛ كما أمرهن صلى الله عليه وسلم النساء بقوله: “اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّات الطَّرِيق؛ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ”. (4)
  6. وجعل النبي للنساء بابًا خاصًا لهن في المسجد، وكان عمرَ بنَ الخطَّابِ ينهى أن يُدخَلَ من ‌بابِ ‌النِّساء”. (5)
  7. إذا كانت صلاة المرأة في أعمق حجرة من بيتها خير من صلاتها في الحجرة الظاهرة فإن فيه تأكيداً على ضرر اختلاطها بالرجال، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ” صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا. (6) قال في عون المعبود: «(صلاة المرأة في بيتها) أي الداخلاني لكمال سترها (أفضل من صلاتها في حجرتها) أي صحن الدار، قال ابن الملك: أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها، وهي أدنى حالاً من البيت، (وصلاتها في مخدعها): وهو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، يحفظ فيه الأمتعة النفيسة من الخدع، وهو إخفاء الشيء، أي في خزانتها أفضل من صلاتها في بيتها؛ لأن مبنى أمرها على التستر».
    فإذا فُضِّلَ في حقّ المرأة الصلاة في بيتها بُعداً عن الفتنة، ومخالطة الرجال، فمنعها من الاختلاط بالرجال في أماكن العمل والتعليم من باب أولى.
    ملحوظة: كل ما سبق هو في العبادة أو مكان العبادة التي يكون العبد فيها أبعد ما يكون عن همه بالرزيلة أو ما سواها.
  8. تنبيه: قد يُشكِل على السائل، الأخبار الواردة عن أمهات المؤمنين أزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم في سؤالهن وإجابتهن عن الأسئلة؛ فإنما كان هذا امتثالًا لأمر الله تعالى أولاً: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34]، وكان كلُّه من وراء حجاب ثانياً؛ فيسمع الرجالُ منهن العلمَ دون أن يَرَوْنهن، كما أخبر سبحانه تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53].
  9. وجود النساء – أثناء التعلم – في جهة والرجال في جهة أخرى بعيدة، في مكان واحد، كالقاعات الواسعة في الجامعات، لا بأس به عند الضرورة، شريطة احتجاب المرأة، وغض البصر من الطرفين، وعدم الخضوع بالقول الذي ذكره بيان الحق سبحانه: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]
وأخيراً: الشريعة الإسلامية لا تنظر إلى مسألة اختلاط الرجال بالنساء أثناء طلب العلم من زاوية تعلم القرآن وغيره فحسب، بل تنظر إليها من جميع الجهات، فمادام من المتوقع أن تحدث بعض المحاذير  أثناء تعلم الفتيات والفتيان للقرآن حال الاختلاط، فإن الشريعة سدَّت المنفذ قبل حدوثه، وهذا الذي سماه الفقهاء بمبدأ سد الذرائع، ونصوا على أنَّ درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح.
فعلينا سدُّ الباب أمام كلِّ ما من شأنه إثارة الغرائز، خصوصاً في عصرنا المشحون بالمغرياتِ والفتن، والذي إذا فُتِحَ فيه هذا البابُ دون ضابط، وَلَجَ منه أصحابُ الشهوات، ومَرضى القلوب؛ ليعيثوا الفسادَ في الأخلاق والمبادئ والقيم. والله تعالى أعلم

                                  وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):صحيح البخاري (4808).
(2):صحيح البخاري (4934).
(3):سنن النسائي (820).
(4):سنن أبي داود (5272).
(5): سنن أبي داوود (464).
(6): سنن ابي داوود (570).
ينظر: شرح النووي على مسلم (4/159)؛ نيل الأوطار للشوكاني (3/219)؛ حاشية السندي على سنن النسائي (2/94)؛ عون المعبود شرح سنن أبي داوود (2/194).