هل يجوز شراء بيت على أقساط من شركة البناء؟

 يجيب عن السؤال الشيخ باسم عيتاني 

السؤال

هل يجوز شراء بيت على أقساط من شركة البناء؟

الجواب

أخي السائل يسر الله لك كل خير :
يجوز شراء بيت على أقساط من شركة البناء، وهذا مايسمى ببيع التقسيط، وهو جائز.

وفي ذلك صورتان :

 

  • الصورة الأولى:
أن يكون البناء قائماً، وهنا يتم الاتفاق بينك وبين شركة البناء على ثمن محدد للبيت، وهذا ما يجري في العادة في زماننا من خلال العقد الذي يجري بين الطرفين، وغالب شراء البيوت في زماننا يكون بالتقسيط، وهذا تيسير للناس في المعاملات المالية فيما بينهم، لأن معظمهم لا يملكون هذه الكتلة المالية الضخمة دفعة واحدة لشراء بيت، والقليل من الناس من يملك ثمن البيت حالاً، حتى لو ملك ذلك فإنه يُفضِّل أن يشتري بالتقسيط، لأنه يحاول أن يُشغِّل هذه الكتلة المالية عبر التجارة أو الشراكة ليثمر ماله بدل تجميده حسب ظنه.

أجاز الفقهاء رحمهم البيع بتأجيل الثمن سواء كان الثمن دفعة واحدة أو مقسطاً،
لقوله تعالى :  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة:282] ، فالأجل المسمى هو ما اتفق عليه العاقدان سواء كان دفعة واحدة أو دفعات قصيرة الأمد أو طويلة الأمد، فالنص القرآني في ذلك لم يقيد تيسيراً للناس.
ولما ورد أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – ” اشترى طعاماً من يهوديٍّ إلى أجلٍ ورهنه دِرْعاً من حديد” [ صحيح البخاري:1962] وهذا الحديث العملي من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدل على جواز البيع مع تأجيل الثمن، وبيع التقسيط ما هو إلا بيع مؤجل الثمن غاية ما فيه أن ثمنه مقسط أقساطاً، ولكل قسط منها أجل معلوم.

وهنا لابد أن نشير إلى أن الدَّيْن الذي نتج من البيع حق للبائع، فإذا رضي بتأجيل الثمن لأجل واحد، فله أن يؤجله إلى آجال متعددة من باب الأولى.

تبقى نقطة مهمة، وهي أن  ثمن السلعة بالتقسيط أكثر من ثمنها حالّاً لا محظور فيه، لأن تقسيط الثمن يرتفق به المشتري والبائع وحيث تراضيَا على الثمن فلا مانع، لكن المحظور هو الزيادة في ثمن السلعة بعد استقرار الدين في ذمة المشتري، وهذا يعد ربا، أما وقت الاتفاق فلا بأس بالسعر الذي تراضيَا به إن كان عن طيب نفس وبغير استغلال.

فشركة البناء عندما أجلت الثمن لك صار ديناً في ذمتك، وتم الاتفاق بينكما على التقسيط  فتكون الصورة جائزة دون ريب.

 

  • الصورة الثانية:
أن لا يكون البناء قائماً أي: غير موجود فتكون الصورة بيعاً على الخريطة، فيتم الاتفاق بينك وبين شركة البناء على شراء بيت على الخريطة بثمن مؤجل محدد ومقسط بأقساط معلومة على أن تسلمك الشركة البيت في الوقت المتفق عليه بين الطرفين.

فهذه الصورة تسمى بعقد الاستصناع في الفقه الحنفي وهو طلب الصنعة من المستصنِع، فهو عقد جائز واستدل الفقهاءعلى جوازه بعدة أدلة :
 فقد صحَّ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – : “اصطنع خاتماً” [البخاري: 5538].
 وصحَّ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد استصنع منبراً كما ورد أنه بعث إلى امرأة من الأنصار: ” أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ.” [صحيح البخاري: 1988]
وقد تعامل المسلمون بالاستصناع في مختلف العصور، وما زالوا يتعاملون به من غير نكير. [ ينظر: الموصلي، الاختيار،2/38]

فيجوز عقد الاستصناع إذا توافرت فيه بيانُ جنس الشيء المستصنَع ونوعُه وقدرُه وأوصافُه المطلوبة ومعلوميةُ الثمن وتحديدُ الأجل إن وجد. ويثبت للمستصنِع الخيارُ(أي: له أن يمضي العقد أو أن يفسخه)  إذا جاء المصنوع مخالفاً للمواصفات المشروطة. [ينظر: العيني، البناية 377/8]

وهنا لا بد أن نوضح أمرين: الأول: ذكر الأجل في عقد الاستصناع المتعامل فيه على قول الصاحبين أبي يوسف ومحمد – رحمهما الله تعالى – والثاني: اختيار لزوم عقد الاستصناع قول أبي يوسف – رحمه الله تعالى – فكلا الأمرين مجتهد بهما يمكن تقليدهما وكتابتهما في العقد لما فيهما حاجة ماسَّة في التعامل وضبط للمعاملة المالية في عقدالاستصناع.

وعلى هذا يجوز لك شراء البيت من شركة البناء بعقد الاستصناع على المخطط الهندسي التفصيلي المبيِّن لكافة المواصفات، منعاً لأي نزاع مستقبلي، بثمن مؤجل بأقساط معلومة لآجال محددة، أو تعجيل دفعة مقدَّمة وتسديد باقي الثمن على دفعات، وعلى الشركة أن تسلمك البيت وفقاً للشروط التي تم الاتفاق عليها.

 والله الهادي إلى الصواب.

 

 

 

 

1- صحيح البخاري، تحقيقك البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط5، ( ١٤١٤ هـ – ١٩٩٣ م)5

2- الموصلي، عبد الله بن محمود، الاختيار لتعليل المختار، تعليقات محمود أبو دقيقة، ط الحلبي، القاهرة، (١٣٥٦ هـ – ١٩٣٧ م) – وصورتها دار الكتب العلمية – بيروت
3- بدر الدين العيني، محمود بن أحمد، البناية شرح الهداية، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،ط 1، (1420هـ – 2000 م )