هل يجوز تناول المأكولات البحرية؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز تناول المأكولات البحرية؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن دين الإسلام دين يسر قال تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، والأصل في طعام البحر الحل لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} [المائدة: 96]، قال ابن عباس: طعامه ما قذف، وقال: صيده ما صيد طرياً بالشبام ونحوها(1)، وقال أبو هريرة: صيده ما صيد منه، وطعامه ما قذفً(2). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) رواه أبو داود(3)، ولحديث: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) رواه ابن ماجه(4).

وسواء في صيد وطعام البحر ما كان يعيش في البحر الملحي أو البحر العذب كالبحيرات والأنهار. كما أنه لا تأثير في كون بعض صيد البحر وحيتانه تلد وترضع، فهي داخلة في عموم اللفظ.

وهل يذكى شيء من صيد البحر؟ قال الرافعي: “وإذا حكمنا بحل ما سوى السمك من حيوان البحر، فهل يشترط فيه الذكاة أم تحل ميتته؟ فيه وجهَان، ويقال قولان: أحدهما، وبه قال أحمدُ: يشترط الذكاة، كما في حيوانات البر. وأصحهما: أنه يحل ميتتها؛ لأنها حيواناتٌ تعيش في الماء؛ فأشبهت السمك”(5).

نعم، لكل قاعدة مستثنيات وشواذ، فمن المستثنى من صيد البحر وطعامه:

1- ما له ناب من البرمائيات، كالتمساح، فإنه ملحق بسباع البر فيحرم أكله للخبث والضرر(6). بخلاف نحو سمك القرش فهو حلال وإن كان ذا ناب لأنه من صيد البحر.

2- ما ورد فيه استثناء بعينه، كالضفدع فقد جاء النهي عنه؛ لما رواه أبوداود والنسائي عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن عثمان: أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها(7).

2- عامة البرمائيات الأصل فيها التحريم عند الشافعية، إذا لم يكن لها نظير بري مأكول، ومثلوا لها: بنحو كلب الماء، والسلحفاة، والسرطان (السلطعون)، وهو قول الإمام الغزالي(8)، والرافعي(9)، والنووي في (الروضة)(10)، واعتمده الرملي، والحصني في (الكفاية)(11).

القول الثاني: لكن الإمام النوويَّ قال في (المجموع): “قلتُ: الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع، ويحمل ما ذكره الأصحاب أو بعضهم من السلحفاة والحية والنسناس على ما يكون في ماء غير البحر والله تعالى أعلم”(12)، واعتمد هذا القول ابن حجر الهيتمي والخطيب الشربيني، وزادا على الضفدع: كل ما فيه سم(13). قال الرافعي: “وعلى هذا، فلو لم يكن له نظير في البر محلّلٌ ولا محرَّم، فهو حلال”(14).

3- ما فيه أذى وضرر، لا يباح أكله، كثعبان البحر أو قنديله إذا ثبتت سميته، أو غيره من المخلوقات البحرية الضارة، عملاً بآية: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} [النساء: 29]، وهو معتمد المذهب اتفاقاً.

وهناك آداب تتعلق بصيد البحر عند الشافعية:

فمنها: يستحب ذبح ما تطول حياته، ويكون الذبح من جهة الذيل في السمك، ومن العنق فيما يشبه حيوان البر. فإذا لم يكن مما تطولُ حياته كره ذبحه وقطعه حيا(15).

ومنها: يكره ابتلاع السمك حيا إذا لم يضر، وكذا أكل السمك الصغير بما في جوفه، ويجوز قليه وشيه من غير شق بطنه، لكن يكره ذلك(16).

هذا ما تيسر بحثه في هذا الباب، وهو من الأبواب المهمة، التي ينبغي معرفتها على المسلم، حتى يعرف ما يحل أكله وما لا يحل، ولا يهجم على الأطعمة البحرية بجهل منه وعدم تمييز، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يرزقنا العلم والعمل، والحمدلله رب العالمين.

الهوامش:

1- الطبري، تفسير الطبري: 11/61؛ الجصاص، أحكام القرآن: 2/598.

2- الطبري، تفسير الطبري: 11/61.

3- أبوداود، سنن أبي داود: حديث رقم 86.

4- ابن ماجه، سنن ابن ماجه: حديث رقم 3218.

5- الرافعي، العزيز شرح الوجيز: 12/ 142.

6- الرافعي، العزيز شرح الوجيز: 12/ 143.

7- أبوداود، سنن أبي داود: حديث رقم 3871، 5269؛ النسائي، سنن النسائي: 7/210، حديث رقم 4355؛ مسند أحمد: 25/36، حديث رقم 15757.

8- الغزالي، الوسيط: 7/163.

9- الرافعي، العزيز شرح الوجيز: 12/142-143.

10- النووي، روضة الطالبين: 3/275.

11- الحصني، كفاية الأخيار: ص 527.

12- النووي، المجموع شرح المهذب: 9/ 33.

13- الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 130.

14- الرافعي، العزيز شرح الوجيز: 12/ 142.

15- الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 130.

16- الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 130.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)