هل يجوز الترحّم على من مات على غير الإسلام؟

الإجابة من الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز الترحّم على من مات على غير الإسلام؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
أما بعد؛

      فإن دين الإسلام دين عظيم، عرف بسعته في التشريع، ومناسبته للمكلفين في كل زمان ومكان، وقد شهد بهذا العدو قبل الصديق، وكم هناك من كلمات لعلماء غير مسلمين تتضمن شهادتهم بسُموِّ دِين الإسلام، وعظمة تشريعاته، ومرونة أحكامه.

      ورحمة الإسلام ومرونة التشريع لا تعني التمييع للأحكام، ولا التملص من الواجبات والفروض الدينية، فالنصوص المقدسة الكريمة صرحت مراراً في مواضع كثيرة من سور القرآن الكريم بأن هناك حدوداً يجب الالتزام بها وعدم تعديها.

قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [النساء: 13- 14]

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله حَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ لَكٌم فَرَائضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ من غَيْرَ نِسْيِانٍ مِن رَبِّكُم، وَلَكِنْ رَحمَةً مِنْهُ لَكُم، فَأَقْبِلُوا وَلا تَبْحَثُوا فِيْهَا» [الحاكم، المستدرك] [1]، وللحديث روايات متعددة، ورواه الدارقطني والطبراني، وهذا لفظ الحاكم.

وروى مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «من قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» [صحيح مسلم] [2]

      فالنصوص صريحة في أن الإنسان الذي لم يتلفظ بالشهادتين ليس له حكم المسلم البتة، بل هو كافر في حكم الشريعة الإسلامية، وللشهادتين أحكام تتبعها، فمن لم يقم بها لم يكن إسلامه صحيحاً. إلى آخر ما قرره علماء الإسلام.

      ومن جملة حقوق المسلم على أخيه المسلم أن يترحم عليه إذا مات، وأن يصلى عليه، وتتبع جنازته، وأن يدفن في مقابر المسلمين. ومن ليس بمسلم فليس له حق في شيء من ذلك،


النهي الصريح من السنة المطهرة:

      ورد النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة لمسلم بجنة أو نار ما لم يرد فيه وحي أو نص من كتاب وسنة، وبوب الإمام البيهقي في (السنن الكبرى): (باب لا يشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها) [4].

وأخرج البخاري في (صحيحه) بسنده الى خارجة بن زيد بن ثابت، “أن أم العلاء – امرأة من الأنصار – بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنه اقتسَم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفّن في أثوابه دخَل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَا يُدْرِيْكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟» فقلتُ: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أَمَا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِيْنُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيَرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي – وَأَنَا رَسُولُ اللهِ – مَا يُفْعَلُ بِيْ». قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبدا” [5].

      فإذا كان هذا الحديث ورد في حق صحابي جليل، فكيف بغيره من المسلمين، بل كيف يترحم على من مات على غير الإسلام ولم يتلفظ بالشهادتين في حياته، إن هذا الأمر خطير، وللأسف فهناك من يتعاطف بصورة غير لائقة به كمسلم على من مات من غير المسلمين فيبادر بالترحم عليهم، ويزعم أن ذلك من باب تألف قلوب غير المسلمين، ولعمر الله أين نذهب بقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120].

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويبصرنا بمواطئ أقدامنا، وأن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يعافينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم وهو الهادي الى سواء السبيل.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.

د.محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidanc)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الحاكم، المستدرك على الصحيحين 4/ 129.
[2] صحيح مسلم (23).
[3]  السيوطي، الشافي العي على مسند الشافعي، ص: 499.
[4]  السنن الكبرى للبيهقي 4/ 76.
[5] صحيح البخاري 2/ 91، (1243).