هل يجب الغسل على من وجد بلّة في لباسه الدّاخلية بعد النوم؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجب الغسل على من وجد بلّة في لباسه الدّاخلية بعد النوم؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد؛

فعند الشافعية، إذا استيقظ النائم ووجد في ثوبه بللا، فله حالتان:

1. الحالة الأولى:

      إن كانت فيه صفات المني من ثخانة أو ريح طلع رطباً أو بياض بيض جافا، فهو مني، يجب منه الغسل. قال في (المنهاج): “ويعرف بتدفقه، أو لذة بخروجه، أو ريح عجين رطباً، أو بياض بيض جافا، فإن فقدت الصفات فلا غسل”، اهـ. [1]

2. الحالة الثانية:

      أن لا توجد فيه صفات المني ولا خواصه المذكورة، أو وجدت بعضها كأن رآه أبيض ثخيناً، وظل متردداً، شاكاً هل الذي خرج منه مني أم لا. فحكم هذا البلل فيه قولان، قال القليوبي في حاشيته: “فلو احتمل كون الخارج منه منيا أو وديا كأن استيقظ من نومه فوجد بباطن ملبوسه شيئا أبيض ثخينا تخير بين حكميهما فيغتسل أو يتوضأ”. [2]

وتفصيل ذلك:
القول الأول:

      أن يجعله منياً، ويغتسل. وذلك في حالات، منها: إذا استيقظ النائمُ فرأى إنزالَ المني، من غير أن يحسّ به في نومِه، فالغسل منه واجب، قاله الماوردي في الحاوي الكبير [3].

القول الثاني:

      أن يجعله مذياً فيغسل مذاكيره وثيابه ويتوضأ ولا يغتسل.

      قال العلامة الخطيب الشربيني في الإقناع [4]: “إذا شكّ، هل هو مني أو غيره؟ فإن احتمل كونُ الخارج منياً أو غيره كوَدْي أو مَذْي؛ تخيَّر بينهما على المعتمَد. فإن جعله منياً؛ اغتسل. أو غيره؛ توضأ وغسل ما أصابه، لأنه إذا أتى بمقتضى أحدهما برئ منه يقيناً”. قال الشيخ البجيرمي: “مقابله [أي: المعتمد]: أنه يحتاطُ، فيغتسلُ، ويغسل ما أصابه منه” [5].

      هذا، ودليل الغسل: خبر مسلم (إنما الماء من الماء). ولخبر الصحيحين عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (إن الله لا يستحى من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء). وحديث علي رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؛ فقال: «‏مِنْ ‏ ‏الْمَذْيِ ‏ ‏الْوُضُوءُ وَمِنْ الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» [6] رواه الترمذي.

وبالجملة:
فالاحتياط في هذه المسائل أمر مطلوب شرعاً، والماء في زمننا هذا متوفر ولا يكاد ينعدم إلا نادراً، كما أن سبيل الحصول عليه لم تعد كما كانت عند السابقين الذين كانت مصادرهم الآبار والعيون وحمل الماء ونقله على الأكتاف وفوق ظهور الدواب. ومع ذلك فقد كانوا يحتاطون لدينهم أبلغ الاحتياط، فما أجدرنا ونحن الذين تيسرت لنا السبل التي لم تتوفر لهم، أن نبالغ في الاحتياط ولا نفرط في تصحيح عباداتنا والإتيان بها على أكمل الوجوه، والله الموفق.

هذا، والله أعلم.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.


د. محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 كتاب منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه، النووي، 1/ 14.
2  حاشية قليوبي على شرح المحلى على منهاج الطالبين، أحمد بن سلامة القليوبي، 1/ 73.
3 الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي شرح مختصر المزني، أبو الحسن الماوردي، 1/ 379.
4 الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، محمد الخطيب الشربيني، 1/ 66.
5 حاشية البجيرمي على الخطيب المسماة تحفة الحبيب على شرح الخطيب، سليمان البجيرمي، 1/ 338.
6 سنن الترمذي، كتاب الطهارة (114).