هل يجب الحج مباشرة بعد الحصول على المال الكافي ووجود الصحة؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجب الحج مباشرة بعد الحصول على المال الكافي ووجود الصحة؟

الجواب

باسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      فإن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، لا يكمل إسلام المسلم حتى يؤديه، ولكن الله تعالى جعل وجوب الحج مرتبطاً بالاستطاعة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].

      قال الإمام ابن الرفعة (ت 710هـ): “الأمر بالعبادة إذا وردَ مطلقًا كانت القدرةُ على أدائها شرطًا في وجوبها. فلما ضم الله تعالى إلى هذه العبادة الاستطاعةَ بعدُ، علمنا أن وجوبها على غير المستطيع لا يجوز. دل على أنه ضم ذلك لفائدة، وقد بينها صلى الله عليه وسلم: روى الدارقطني [1] بسنده عن غير واحد من الصحابة: أنه لما نزل قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الآية، «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا السَّبيل؟ فَقال: الزَّادُ والرَّاحِلَةُ» [2]. قال الإمام النووي في (شرح المهذب): “لكنه حديث ضعيف وإن حسنه الترمذي وصححه الحاكم” [3].

      وورد حديث عن ابن عمر، رفعه: “من استطاع الحج ولم يحج مات إن شاء يهودياً أو نصرانياً” [4]، قال ابن حجر الهيتمي: “وهو محمول على المستحل، وعامّ في جميع المسلمين بشرط الاستطاعة” [5]، إلى آخر كلامه.

      والاستطاعة عند الشافعية نوعان: استطاعة مباشرة بالنفس، واستطاعة بالغير (مسألة المعضُوب)، وفيها تفصيل طويل بعلم من كتب الفقه.

      قال الإمام الغزالي في (الوجيز): “ومهما تمت الاستطاعة وجب الحج على التراخي”. قال الرافعي في شرحه (العزيز): “ومقصود الفصل: أن الحج يجب على التراخي وهو في العمر كالصلاة بالإضافة إلى وقتها”[6].

      وقد فصل الإمام النووي في (منهاج الطالبين) وذكر نوعي الاستطاعة، قال رحمه الله: “والاستطاعة وهي نوعان:
      • أحدهما: استطاعة مباشرة ولها شروط”، ثم قال:
      • “النوع الثاني: استطاعة تحصيله بغيره فمن مات وفي ذمته حج وجب الإحجاج عنه من تركته”[7]، إلى آخر كلامه.

      ويتفرع من مسألة السؤال، مسألة أخرى، ورد ذكرها في (فتاوى ابن حجر الهيتمي)، وهذا نص المسألة وجواب الإمام عنها:
“وسئل رضي الله عنه: عن رجل استقر عليه الحج ثم افتقر فلم يقدر على الأهبة أو استقر عليه لكونه لم يكن له زوجة ولا أولاد ثم تزوج وجاء له أولاد هل يكلف على الحج أو لا بد من الاستطاعة؟

     فأجابَ نفع الله بعلومه: من استطاع الحج ثم افتقر، استقر الوجوب في ذمته، فيلزمهُ الحج ولو ماشياً، إن قدر عليه. نعم؛ إن كان له من تلزمه نفقته لم يلزمه الحجُّ إلا إن وجَد ما يكفيهم ذهابه وإيابه، وكذلك لا بد أن يجِد ما ينفقه على نفسه ذهابا وإياباً أيضاً، لكن في (الإحياء): لو استطاع الحجَّ ثم أخره حتى أفلسَ، لزِمَه كسب مؤنته، أو سؤالها من زكاة أو صدقة ليحُجّ، وإلا مات عاصياً، والله سبحانه وتعالى أعلمُ بالصواب” [8]، انتهى.

      فبناء على ما تقدم، يلزم على المستطيع الذي توفر لديه المال الكافي وكان صحيح البدن، وترك لأولاده كفايتهم من المال زمن سفره للحج وعودته، فقد وجب عليه الحج، ويأثم لو أخره فماتَ، أو ذهب ماله، أو عضب وأقعد فلم يستطع أن يحج بنفسه، لأنه تراخى مع القدرة. وعلى الورثة أن يخرجوا من تركته ما يحج به عنه الغير إذا أجاز الورثة، وإلا تبرع أحدهم بالحج عنه بنفسه أو ماله، والله سبحانه أعلم.

 

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.



د. محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  سنن الدارقطني: 2/ 216. وينظر: التلخيص الحبير، العسقلاني: 2/ 222.
[2] كفاية النبيه في شرح التنبيه، ابن الرفعة: 7/ 34.
[3] المجموع، النووي: 7/ 41؛ والحديث في سنن الترمذي (813)؛ ومستدرك الحاكم (1032). وينظر: بداية المحتاج في شرح المنهاج، ابن قاضي شهبة: 1/ 617.
[4]  سنن الدارمي: ص437، (1937).
[5] الفتاوى الفقهية الكبرى، ابن حجر الهيتمي: 2/ 116؛ بغية المسترشدين، عبد الرحمن باعلوي الحضرمي، ص238.
[6] العزيز شرح الوجيز، الرافعي: 3/ 294.
[7] منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه، النووي: ص82.
[8] الفتاوى الفقهية الكبرى، ابن حجر الهيتمي: 2/ 96.