هل الموسيقا حرام؟

يجيب عن السؤال الشيخ أحمد الأحمد

السؤال

هل الموسيقا حرام؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

  • حكم سماع المعازف والعزف عليها:

– اختلف أهل العلم في حكم سماع المعازف والعزف عليها فمن محرم حكى الإجماع على تحريم استماع آلات العزف ـ سوى الدف، وطَبْلِ في الْحَرْبِ وفِي النِّكَاحِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُقِيمُ النُّفُوسَ وَيُرْهِبُ الْعَدُوَّ. وَفِي الْيَرَاعَةِ (الناي) تَرَدُّدٌ، (1).

– وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز الاستماع للمزمار وغيره من آلات اللهو المحرمة (2).

ويَحْرُمُ في المشهور من المذاهب الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) استعمالُ الآلات التي تطرب كالعود والطنبور والمِعْزَفَة والطبل والمزمار والرباب وغيرها من ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها (3).

وقد حَكَى الإجماعَ على تحريم استماع آلات العزف ـ إلا ما استثني منها ـ جماعةٌ من العلماء، منهم ابن حجر الهيتمي، الذي قال: “الأوتار والمعازف كالطنبور والعود والصنج والرباب والجنك (آلة طرب كالعود) والكمنجة والسنطير (آلَة طرب تشبه القانون أوتارها من نُحَاس يضْرب عَلَيْهَا ) والدريج (الدربكة) وغير ذلك من الآلات المشهورة عند أهل اللهو والسفاهة والفسوق هذه كلها محرمة بلا خلاف” (4) .

ومنهم الإمام القرطبي قوله: “أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم! وهو شعار أهل الخمور والفسق ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه”(5).

ومنهم أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي قال فِي كتابه (التقريب الكافي) بعد أنْ أورد حديثًا فِي تحريم الكُوبَة، وفي حديث آخَر: “أنَّ اللهَ يَغفِرُ لكلِّ مذنبٍ إلا صاحب عَرطَبة أو كُوبةٍ، والعَرطَبة: العُود، ومع هذا فإنَّه إجماع” انتهى من (كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع) ابن حجر الهيتمي (ص 118).

ومنهم أبو الحسين البغوي، فإنه قال: “وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيم المزامير والملاهي وَالْمَعَازِف”. إهـ (6).
ومنهم ابن قدامة المقدسي الذي قال: “آلَةُ اللَّهْوِ كَالطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالشَّبَّابَةِ… آلَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ، بِالْإِجْمَاعِ” إهـ (7).

وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، فمن ذلك حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخمر، والحر، والحرير، والمعازف» أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، فهو صحيح. ولفظ (المعازف) عام يشمل جميع آلات اللهو، فتحرم إلا ما ورد الدليل باستثنائه كالدف فهو مباح. واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم (يستحلون) من أقوى الأدلة على تحريم المعازف إذ لو كانت المعازف حلالاً لكان استحلالها تحصيل حاصل!.
وأيضا: دلالة الاقتران في الحديث تفيد التحريم حيث قرن المعازف مع الخمر والحرير والحر: (الزنا) وهي محرمات قطعاً بالنص والإجماع.

– ومنهم من قال لم تحرم الآلات الموسيقية لذاتها بل لما كان يلازمها من اختلاط النساء بالرجال ووجود الرقص وهز الخواصر وكل ما يوقظ الغرائز الهاجعة ومن شرب الخمرة وهذا كله ديدن الفساق، فإن خلت من ذلك فلا حرمة بسماعها كأن يسمعها في المدائح النبوية وحلقات الذكر، وأما في الاحتفالات الصاخبة التي هي ديدن الفساق فيشرب فيها الخمر وتختلط فيه النساء والرجال وغير ذلك من الموبقات، فإن سمعها من مسجل أو على بُعْدٍ أو كانت قريبةً من مكان سكنه دون الحضور معهم ودون أن يكون هو العازف عليها فلا إثم عليه.

ويبنى عليه أن من جلس في بيته وأصغى للموسيقا والعزف المنبعثة من دار جاره وحصل له طرب لا إثم في ذلك لأن من يراه داخلاً إلى بيته لا يظن به السوء، بينما لو دخل مكان الاحتفال والمعازف لا ليستمع بل ليتناول الطعام فإنه آثم لأن من يراه داخلا إلى مكان أهل الفسق يظن به السوء هذا ما يراه هذا الفريق.

– ومنهم من أجاز السماع لكل المعازف دون استثناء بحجة أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية.

قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب “الأحكام”: لم يصح في التحريم شيء. وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة.
وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.
وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع.
وإذا لم يثبت دليل على التحريم فتكون الموسيقا مباحة بقاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة، يضاف إلى ذلك الآيات التي تتحدث عن حل الطيبات وتحريم الخبائث، وإباحة ما هو من باب الزينة.

وبعضهم بالغ في التحريم حتى انتهى به إلى درجة (الكبيرة). وهذه مبالغة غير مقبولة في أمر اختلف فيه الفقهاء، حتى هناك من قال بكراهته، ومن قال بإباحته، بل من قال باستحسانه واستحبابه.

  • سماع الموسيقا للعلاج:

أما سماع الموسيقا لعلاج بعض الأمراض النفسانية، أو العصبية فلا بأس به. (8) وذهب الشافعية إلى جواز التداوي باستماع المعازف المحرمة للضرورة.
قال الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: “آلة اللهو قد يباح استعمالها بأن أخبر طبيبٌ عدلٌ مريضًا بأنه لا يزيل مرضه إلا سماع الآلة، ولم يوجد في تلك الحالة إلا الآلة المحرمة” (9)
وقال الحنابلة: يحرم التداوي بصوت ملهاة وغيره كسماع الغناء المحرم (10). 

  • الغناء

وأما الغناء فيقولون في حسنه حسن وسيِّئه سيئ، فإن كان من الكلام الحسن وسمعه الرجل من الرجل أو سمعه الرجل من محارمه من النساء أو سمعته المرأة من المرأة أو من الرجل المَحْرَم فلا بأس به إن خلا من المعازف هذا على رأي من يحرم المعازف ولا يقال مثله على مذهب من أباحها.

ومهما قيل في حكم سماع الموسيقا والغناء فينبغي أن تتحرز أخي السائل عن ذلك لأن الأمر إذا دار بين التحليل والتحريم يقدم التحريم وفيه اتقاءٌ للشبهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أحمد الأحمد، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

 

الشيخ أحمد الأحمد عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة معهد الفتح الإسلامي للعلوم الإسلامية والعربية في دمشق، وليسانس في اللغة العربية من جامعة الأزهر، ودبلوم تأهيل تربوي من جامعة دمشق، ودبلوم لغة عربية من جامعة دمشق، والماجستير في العقيدة من جامعة بيروت الإسلامية (دائرة الفتوى).
تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ محمد أديب الكلاس، والعارف بالله محمود الشقفة رحمهم الله.
درّس علوماً شتى بين شرعية ولغة عربية، ولديه خبرة واسعة في الإرشاد والتوجيه. يقوم بالتدريس في دار الفقهاء تركية، ويدرّس في معاهد محمود أفندي في إستانبول، ويدرس في معهد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للعلوم الشرعية والعربية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الجامع لأحكام القرآن: 14/ 53
[2] حاشية ابن عابدين 5/ 222 – 223، و الفتاوى الهندية 5/ 352، والمغني 9/ 173.
[3] إحياء علوم الدين للغزالي:2/ 237 – 268)، و(حاشية الصاوي: 2/ 502.
[4] كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع 1/ 112 – 113.
[5] الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي 2/ 193.
[6] شرح السنة: 12/ 383.
[7] المغني: 9/ 132)
[8] الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ: 4/ 2667.
[9] حاشية الشَّبْرَامَلِّسِيّ مع نهاية المحتاج 3/ 385.
[10] كشاف القناع 2/ 76.