هل الموسيقى حرام؟ (حنفي)

يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ أنس الموسى

السؤال

هل الموسيقى حرام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله على آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الموسيقى أو المعازف أو آلات اللهو، ويعبر عنها بالملاهي، بالجملة حرام لا يجوز الاستماع لها، إلا ما استثني منها ببعض الأحوال كالدف.
وبين الفقهاء أن استماع صوت ‌الملاهي كضرب القصب،  وضرب الأوتار من الطنبور والرباب والقانون والمزمار والصنج والبوق ونحوه حرام، وإن سَمعَ بغتة يكون معذورًا، ويجب أن يجتهد أن لا يسمع. 
      وقالوا: إن استماع ‌الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها كفر بالنعمة؛ لأن صرف الجوارح إلى غير ما خُلق لأجله كفرٌ بالنعمة لا شكرٌ لها.

      واحتجوا بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} [لقمان: 6]،استدل بها ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على منع استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب.
وبقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ سامِدُونَ} [النجم: 61] قال ابن عباس: هو الغناء، بالحميريّة؛ اسمدي لنا، أي غنّي لنا.
وبقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] قال مجاهد: الغناء والمزامير.

      واستدلوا بحديث: «لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأديبه فرسه، وفي رواية ملاعبته فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته مع أهله». [1] [مسند أحمد]
وبحديث: «بُعِثْتُ ‌بِهَدْمِ ‌الْمِزْمَارِ، وَالطَّبْلِ».[2] [كتاب فوائد تمام]
وبحديث: «‌صَوْتَانِ ‌مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ» [3] [ الهيثمي، مجمع الزوائد].

أما الدف:

فقد اختلفت الآراء فيه، لكن فقهائنا قالوا: لا بأس أن يكون ليلة العرس دف يُضرب به ليُعلن النكاح، بشرط ألا يكون مصنجاً، وإلا فإنه مكروه. واستدلوا بحديث: «‌فَصْلُ ‌مَا ‌بَيْنَ ‌الْحَلَالِ ‌وَالْحَرَامِ، الصَّوْتُ وَضَرْبُ الدُّفِّ» [4] [مسند أحمد].
ونقل ابن عابدين عن السراجية: أن هذا إذا لم يكن له جلاجل، ولم يُضرب على هيئة التطريب…
وسُئل أبو يوسف عن الدف: أتكرهه في غير العرس بأن تضرب المرأة في غير فسقٍ للصبي؟ قال: لا أكرهه، ولا بأس بضرب الدف يوم العيد، كما في خزانة المفتين.
وقد شدد الفقهاء كثيراً في حرمة الموسيقى وذكروا أحكاماً فقهية تتعلق بكسر المعازف وإتلافها وهل يضمن من كسرها أم لا يضمن؟ وكل هذا لأنها محرمة عندهم.

ومن الأحكام التي ذكر الفقهاء مما يتعلق بالموسيقى بالإضافة إلى كونها آلات لهو محرم قالوا:

لا يجوز تعلُّم الموسيقى، ولا اتخاذ المعازف، ولا التكسب بالمعازف، ولا الغناء مع المعازف، ولا يجوز إجارة المعازف ولا إعارتها، وفي جواز بيع المعازف خلاف بين الإمام وصاحبيه والراجح عدم جوازه… وغير ذلك من الأحكام التي لو دلّت على شيء فإنما تدل على حرمتها الشديدة.
بل وذهب الفقهاء إلى أنه لا تقبل شهادة العازف أو المستمع للمعازف المحرمة كالمزامير والطنابير والصنج وغيرها. [5]


      وأخيراً: إن حب القرآن وحب الغناء لا يجتمعان في قلب مؤمن على جهة الكمال، وأنَّ من صار يَلَذُّ ويَطرب لألحان أهل الفسق والفجور فإنَّ لذته وطربه بآيات القرآن يَذوي ويضعف، لأن ذائقته الإيمانية تتشوه وتَمرض بقدر تعلقه بألحان الفُسَّاق وهُويّه في مزالق الهوى، كشأن من أحب شراباً لذيذًا ضارًا، يتلذذ به ويتضرر، ويدع لأجله الشراب النافع أو يشربه فلا يجد لَذَّتَه الكاملة.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أنس لموسى، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


الشيخ أنس الموسى عالم إسلامي من مواليد سورية حماة 1974م. حاز على إجازة في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، وماجستير من جامعة يلوا في نفس التخصص، فضلاً عن أنه مجاز في الهندسة من جامعة دمشق. تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ بكري الطرابيشي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
لديه خبرة واسعة في تطوير التدريس والمناهج في المعاهد الإسلامية في سورية وتركية وغيرهما…
يقوم بالإقراء بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ومدرس لمختلف العلوم الشرعية في كثير من المعاهد الشرعية، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية.


[1] مسند الإمام أحمد (22218).
[2] كتاب فوائد تمام، تمام البجلي الرازي الدمشقي (100).
[3] ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات.
[4] مسند الإمام أحمد (18279).
[5] المحيط البرهاني لابن مازة (5/ 369)؛ حاشية ابن عابدين (6/ 349) (6/ 350)، (6/ 395)؛ فتح القدير لابن الهمام (3/ 100)، (7/ 410)؛ الاختيار  لتعليل المختار (3/ 65)؛ البناية على الهداية للعيني (12/ 87)، (12/ 88)؛ نيل الأوطار للشوكاني (8/ 113)؛ ذم الملاهي لابن عساكر (4)؛ نزهة الأسماع في مسألة السماع لابن رجب (2/ 447).