من الذي سمى سور القرآن بهذا الاسم وهل يجوز تغيره، وهل هناك أحاديث ذكرت أسماء سور القرآن؟
يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى
السؤال
أصابني بعض التشويش المتعلق بتسمية سور القرآن، من الذي سمى سور القرآن بهذا الاسم وهل يجوز تغيره، وهل هناك أحاديث ذكرت أسماء سور القرآن؟ أرجو منكم التوسع بالإجابة؟
الجواب
المذهب الأول:
- 1- إن هناك سرّاً وحكمة وراء أسماء السور، وذِكرُ النبيِّ ﷺ أسماءَ بعض السور ليس لتحديد أسمائها فحسب؛ بل هناك مناسبات دقيقة بين اسم السورة وموضوعها العام، وهو أحد وجوه إعجاز القرآن؛ ما يدفع أن تكون أسماء السور اجتهادية.
- 2- تخصيص سورة البقرة مثلاً بهذا الاسم، له سببه، فالله تعالى له الحكمة البالغة فيه؛ فبالرغم من أنه ذُكر في السورة قصة هاروت وماروت، وتحويل القبلة، والقصاص، والصيام، والإيلاء، والرضاع، والتحريم الصريح للربا كلِّه، وآية الدّين، إلاَّ أنه لم تُوسَم السورة بشيء من هذا كلِّه، رغم أنَّ ذِكرَ شيءٍ من ذلك عنوانًا على السورة أشرف من ذكر كلمة البقرة؟ (1)
- 3- النبي ﷺ سمى بعض السور، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء…، وشهرة السور بأسمائها بين الصحابة رضى الله عنهم، وتواتُرها بين أجيال الأمة حتى هذا الحين دون أن يختلف عليها أهل قرن عن غيرهم، ولا أهل مكان عمن سواهم، دليلٌ على أنه لا يجوز تغير أسمائها.
- 4- لولا أن أسماء السور توقيفي؛ لم يكن هناك معنىً لأن يسمي النبي ﷺ بعض السور دون البعض.
- 5- تسمية بعض السور بأوائلها لم يطّرد في كل السور، حتى نقول بأنه أمر اجتهادي.
- 6- أسامي سور القرآن جاءت على خلاف ما يُسمِّي به الناس، فإن كان اجتهادياً وسميت السورة الأولى منه بالفاتحة، فلمَ لم تُسمَّ السورة الأخيرة بالخاتمة؟!
- 7- تسمية بعض السور بأغرب ما فيها لم يتوافر في كل السور؛ فلو عُرضت سورة النمل مثلاً على اجتهادات البشر، لذهبوا إلى تسميتها بسورة الهدهد؛ لأن قصته أعجب من قصة النملة، ودوره أغرب من دورها.
- 8- كما أنه ثبت من نصوص السنة، وانعقاد الإجماع على أن ترتيب الآيات في السورة توقيفي، وهذا يجعلنا نجزم بأن تسمية سور القرآن- والبالغ عددها 114 سورة- توقيفي أيضاً، إذ لا يمكننا تصوُّر وقوع الترتيب من رسول الله ﷺ، إلاَّ بعد ذكر اسم السورة وتحديد الموضع الذي توضع فيه الآية؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: ” لما نزلت آخر آية على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ..قال له جبريل: «يا محمد، ضعها على رأس ثمانين ومائتي آية من سورة البقرة» (2)
- 9- واستبعد الإمام الزركشي الاجتهاد في أسماء السور، كما ورجَّح الإمام السيوطي التوقيف في أسمائها حيث قال: «وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبيَّنتُ ذلك، ومما يدل لذلك ما أخرجه ابن أبى حاتم عن عكرمة قال: كان المشركون يقولون: سورة البقرة، سورة العنكبوت، يستهزءون بها، فنزل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ». (3)
المذهب الثاني:
- 1- لو كان اسم السورة توقيفياً، لورد اسم كل سورة بدليل مستقل كما وقع لبعض السور.
- 2- ما ورد عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عبّاس: سورة الحشر، قال: قل سورة النّضير. (4) ففي هذا ما يبيّن أنّ تسمية سور القرآن لم تكن توقيفيّة عند أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإلّا لما ساغ لابن عبّاس أن يخالف ذلك. (5)
- 3- قد يكون للسورة اسمٌ واحد وهو كثير، وقد يكون لها أكثر من اسم كسورة البقرة، يقال لها: فسطاط القرآن؛ لعظمتها وبهائها، ويقال لها: سورة النساء العظمى؛ لما اشتملت عليه من أحكام النساء. وكسورة المائدة، يقال لها: سورة العقود، والمنقذة. وسورة براءة، تسمى التوبة، والفاضحة، والحافرة، والعذاب، والمقشقشة، والبحوث، والمبعثرة؛ فكثرة الأسماء تدل على الاجتهاد لا على التوقيف. (6)
- 4- وردَّ أصحاب هذا الرأي على كلام السيوطي القائل بالتوقيف: بأنه إذا كان مراد السيوطي أن كل سورة قد ورد الأثر في ذكر اسمها فهذا لم يقل به أحد وأقصى ما يُظفر به في أسماء بعض السور بعض الآثار وأغلبها ضعيف حتى الحديث الذي استدل به السيوطي فإنه مرسل. (7)
المذهب الثالث:
- بعد النظر في المذاهب السابقة، يتضح لنا أن الأصل في تسمية سور القرآن أنها من النبي ﷺ، فأول من سمَّى السور هو رسول الله ﷺ، وكانت أسماءً معروفة مشهورة على عهده ﷺ، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أنها كانت متداولة في ذلك العهد، ومن أمثلة ذلك: قوله ﷺ: “اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران “. (8) وكقوله ﷺ: ” مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف، عُصِمَ من الدجال “. (9)
وأخيراً يمكن تقسيم أسماء سور القرآن من حيث جواز الاجتهاد في تسميتها وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
النتيجة:
وأخيراً أخي السائل أرجو من الله تعالى أن أكون قد وُفِّقتُ لإزالة إشكالك المتعلق بتسمية سور القرآن.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1): ينظر: الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/221).
(2):الحديث الوارد عن ابن عباس بلفظ: ” آخرُ شيءٍ نزل من القرآن (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281]”. أخرجه النسائي في الكبرى (10991) أما بقية الحديث فلم أجد من أخرجه، لكنه مذكور في كتب التفسير وعلوم القرآن. ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/216)؛ الواضح في علوم القرآن ص78؛ التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (1/78).
(3): ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/186)؛ البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/270)؛ المدخل لدراسة القرآن الكريم محمد أبو شهبة ص321.
(4):صحيح البخاري (3805) .
(5):ينظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن ص137؛ مباحث في علوم القرآن صبحي الصالح ص97.
(6): ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/187)، (1/191) وما بعدها.
(7):ينظر: الموسوعة القرآنية المتخصصة (1/222).
(8):صحيح مسلم (804).
(9):صحيح مسلم (809).
(10):صحيح مسلم (3031).
(11):ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/270)؛ المدخل لدراسة القرآن الكريم محمد أبو شهبة ص322.
(12): ينظر: شرح مقدمة التسهيل الضروري لابن جزي د. مساعد الطيار ص63؛ المحرر في علوم القرآن؛ المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص169.
(13):صحيح مسلم (805).
(14): صحيح مسلم (780).
(15):صحيح مسلم (772).
(16): متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح (4742)؛ صحيح مسلم (1425).
(17):صحيح البخاري (4431).