ما واجب الأبناء تجاه آبائهم الكفار بعد موتهم؟
يجيب عن السؤال الشيخ محمد أبو بكر باذيب
السؤال
توفي رجل كافر وأبناؤه مسلمون، وكان يعيش بعيداً عنهم، واتصلت بهم جهة رسمية أن يأتوا ليستلموا جثته، وإلا فسوف يقومون من جهتهم بحرقها إذا تأخر أو امتنع الأبناء عن الاستلام. علماً أن استلام الجثة وإجراءات الدفن ستكلفهم ما يقرب من ثمانية آلاف دولار وهم لا يملكون هذا المبلغ، فما هو الواجب عليهم في هذه الحالة، هل يتركونه للحرق؟ أم يستدينون المبلغ أو يطلبون مساعدة من الناس لجمع المبلغ؟
الجواب
أما بعد؛
فإن بر الوالدين من الأعمال العظيمة، وقد قرن الحق تبارك وتعالى طاعته مع طاعة الوالدين،
أي أن الدفن والتكفين جائز لا واجب، وإذا كان الأمر الجائز متصلاً ببر الوالدين لاشك أن الحكم يرتقي من الجواز الى درجة أعلى منه.
ومن الأدلة في خصوص المسألة: ما أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهما، عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: «اذهب فوار أباك، ثم لا تحدثن شيئا، حتى تأتيني» فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي(4).
وفصل الإمام العمراني الشافعي (ت 558هـ) في كتابه «البيان» الكلام في هذه المسألة، قال رحمه الله:
دليلنا: ما روي: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر عليا أن يغسل أباه» ، ولو لم يجز له غسله، لما أمره به. ولأن الله تعالى قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15] [لقمان: 15]. ومن المعروف غسله إذا مات، ويخالف الصلاة، فإن القصد بها الترحم عليه، والترحم عليه لا يجوز، والقصد بالغسل التنظيف، وذلك يحصل بغسله»(7).
أما جواب الشق الثاني من السؤال، وهو هل يجوز الاستدانة أو طلب المساعدة من الغير لمؤن التجهيز؟
الهوامش:
1- الماتريدي، الإمام أبو منصور، تفسير الماتريدي المسمى تأويلات أهل السنة: 3/ 171.
2- الجصاص، أحكام القرآن: 3/156.
3- النووي، شرح المهذب: 5/ 258.
4- سنن أبي داود: 3/ 214، رقم 3214؛ سنن النسائي: 4/ 79، رقم 2006؛ مسند أحمد: 2/ 332، رقم 1093؛ والحديث أخرجه ابن سعد في «الطبقات»: 1/124؛ والنسائي في الكبرى: رقم 195؛ وفي خصائص علي: رقم 149؛ والدارقطني في العلل: 4/146، والبيهقي في السنن: 3/398، وفي دلاثل النبوة: 2/348-349. قال الإمام النووي في «المجموع» (5/ 185): “وأما حديث علي رضي الله عنه أنه غسل أباه أبا طالب فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل فرواه البيهقي من طرق، وقال: هو حديث باطل، وأسانيده كلها ضعيفة، وبعضها منكر»، انتهى.
5- ابن رسلان، شرح سنن أبي داود: 13/ 522.
6- العينيـ نخب الأفكار: 7/ 264.
7- العمراني، البيان: 3/ 24.
8- الرافعي، العزيز: 2/ 421.
9- النووي، منهاج الطالبين: ص 60.