ما هي فضائل دراسة العقيدة؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد الرحمن الخرسة 

السؤال

ما هي فضائل دراسة العقيدة؟

الجواب

الحمد لله

العقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه دين الإسلام، وهي المصدر الذي ينبثق منه سواء في التشريع أم في الأخلاق، حيث ينظم الدين كل شؤون الإنسان فرداً وأسرة ومجتمعاً قال الله تعالى:

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [سورة الأنعام: 162ـ 163].
 
وقد اعتنى بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة الدعوة المكية أيما اعتناء حيث لم يكن هناك تشريعات عملية سواء في الفعل كالصلاة أو الترك كحرمة الخمر، وإنما كان شغل الإسلام الشاغل في تلكم الفترة الطويلة إنما هو تصحيح العقيدة بخالق الكون ونفي الشريك عنه وتوجيه القلوب إلى بارئها جل جلاله، ويمكن تلخيص أهمية العقيدة بما يلي:

أولاً ـ 

العقيدة سبيل إصلاح النفس والكون: حيث يرتبط صلاح المجتمعات بصلاح أفرادها، ويتحقق صلاح الأفراد باتباع المنهج السليم، والعقيدةُ الصحيحة هي التي تقوم سلوكهم وتضبط تصرفاتهم وتصلح عقولهم، ولذا كانت العقيدة هي سبيل إصلاح المجتمع، ومن ثَمَّ إصلاح الكون كله.

ثانياً ـ

 العقيدة شرط قبول الأعمال: حيث جاء التعبير عن العقيدة في القرآن الكريم بلفظ الإيمان، والذي يعدُّ هو أساس وأصل قبول الأعمال عند الله تعالى، قال الله تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [ سورة الكهف: 110]
وقال تعالى:
{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [ سورة الكهف: 30]
وهذا كثير جدًّا في القرآن العظيم.

ثالثاً ـ

العقيدة تعرِّف الإنسان بنفسه وتعرفه بربه: حيث تنكشف حقيقة الإنسان بواسطة العقيدة فيعرف أنه مخلوق ضعيف، أوجده الله القوي المتين الذي خلقه وصوَّره وشق سمعه وبصره، وأنه في كل لحظة ونفس هو محتاج إلى هذا الإله الكبير حيث يتوقف وجوده على دوام وجود المدد منه إليه، وهو المعبَّر عنه بالنعمة الإلهية قال تعالى:
{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة النحل: 18].
فيعرف الإنسان من خلال العقيدة مَنْ هو؟ ومن خلقه؟ ولماذا خلقه؟ ومن أين أتى؟ وإلى أين المنتهى؟ فيقرأ قول الله عزوجل:
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [سورة الانشقاق: 6]. ويقرأ قول الله عزوجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56]
ويقرأ قول الله عزوجل:
 {وأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [سورة النجم: 42].
وهكذا يجيب في العقيدة الإسلامية عن كل تلكم الأسئلة التي لا يجد جواباً عنها إلا في هذه العقيدة، فإذا عرف الإنسان نفسه عرف ربه، فتوجَّه إليه حقيقة التوجه ووقف على بابه، وأفرده بالعبادة والتقرب.

رابعاً ـ

 العقيدة تعرف الإنسان بالكون الذي يحيط به: حيث تحثه على النظر فيه وفي آيات الله المبثوثة في كل شيء
{وفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [سورة الذاريات: 21] فيرى كيف يقوم هذا الكون على أدقِّ نظام وأضبط ارتباط، لا تتصادم المخلوقات ببعضها، ولا تتداخل الكواكب السيارة في مسالكها قال تعالى:
{وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ۝ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ۝ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة يس: 37 ـ 40]
وهكذا الآيات في هذا الباب كثيرة معلومة.

خامساً ـ 

العقيدة تعرف الإنسان بمصيره: حيث ينتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة عبر الموت، فيستقر في عالم البرزخ ما شاء الله له أن يستقر، ثم يخرج إلى ملاقاة رب العالمين في يوم الحشر، ويوضع له الميزان فتوزن أعماله كلها، ثم يمر على الصراط وهكذا مواقف يوم القيامة إلى يستقر في الجنة أو في النار، وهذا كله إنما نتعرف عليه عندما ندرس العقيدة.

من أجل هذا كله ـ وغيرُه كثير من الفوائد والفضائل المرتبة على تعلم وتعليم العقيدة ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تأسيسها وتربية النفوس عليها منذ الصغر حيث روى سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان غلاماً صغيراً فأردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه يوماً فقال له:

 {يا غلام إني أعلمك كلمات: «احْفَظِ اللهَ يحفظْك، احفظ الله تَجِدْه تُجَاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله، واعلمْ أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يَضرُّوك بشيء لم يَضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». وفي رواية: «احفظ الله تَجِدْه أمامك، تَعرَّفْ إلى الله في الرَّخَاء يَعرِفْكَ في الشِّدة، واعلم أنَّ ما أخطأَكَ لم يَكُنْ ليُصِيبَكَ، وما أصَابَكَ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، واعلم أن النصرَ مع الصبرِ، وأن الفرجَ مع الكَرْبِ، وأن مع العُسْرِ يُسْرًا} (1).

فلنحرص جميعاً على دراسة علم العقائد والتعمق فيها، ومعرفة آيات الله الكونية والشرعية والاطلاع عليها كي نكون على بصيرة من أمرنا، متوجهين صدق التوجه الى الباري جل جلاله.


(1) أخرجه الترمذي وأحمد بإسناد صحيح.