ما هي حقيقة الإيمان و كيف أكون مؤمناً حقاً ؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي

 

السؤال

ما هي حقيقة الإيمان و كيف أكون مؤمناً حقاً ؟

الجواب

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

الإيمان هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به عن ربه ، وعُلم من الدين بالضرورة.

و تتجلى حقيقة الإيمان في صور كثيرة لا حصر لها في الشرع و لكن خلاصتها هي : اقتران التصديق و اليقين القلبي بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم ، مع الاستقامة و العمل الظاهري بموجبه ، فحقيقة الإيمان هو ما وقر في القلب و صدقه العمل.

التفصيل و البيان :

 أول ما يخطر في بالنا و يتبادر إلى أذهاننا ، و نحن نتكلم عن الدين و الإيمان ،و غرس مبادئ العقيدة في قلوب و عقول الشباب من الفتيات و الفتيان ، حديثُ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه، و قد أردفه خلفه صلى الله عليه و سلم على دابته ، و بدأ يعلمه كلمات :
” يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنّ الأمَّةَ لو اجتَمعت على أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (1)

 ومن هنا ندرك أهمية تعليم شبابنا، وتوجيههم وإرشادهم إلى دين ربهم، وتنشئتهم عليه، وهذا المعنى يؤكده حديث جبريل عليه السلام، حيث جاء في صورة رجل مستفتٍ، ليرشد الصحابة الكرام إلى مهمات دينهم

 وبعد هذه المقدمة فما هي حقيقة الإيمان وكيف أكون مؤمناً حقاً؟

 

للإجابة على هذا السؤال سنُعرِّف الإيمان في اللغة والاصطلاح ثم سنذكر بعض النصوص الشرعية التي توضح لنا حقيقة الإيمان
فالإيمان لغةً: هو التصديق وهو الإذعان القلبي والإقرار الداخلي بصدق أمر ما
واصطلاحاً: هو تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به وعلم من الدين بالضرورة.أو هو الاعتقاد بالقلب و الإقرار باللسان.(2)

وهذه بعض الآيات والأحاديث التي تذكر صوراً يتحقق فيها وصف كمال الإيمان و حقيقته:

 

يقول الله تعالى :

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال 2-4]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إلهَ إِلَاّ الله، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ».متفقٌ عَلَيْهِ (3)

ومن أهم الأمور التي يتحقق فيها الإيمان ويكمل، محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون هواه تبعاً لما جاء به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:
” لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ.” متفق عليه و اللفظ لمسلم (4)
و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»(5)
و هناك صور كثيرة كما في حديث: ” أكمَلُ المُؤمِنِينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا.” رواه أبو داود
و حديث: ” مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُؤذيَنَّ جارَه، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فليُكرِمْ ضَيفَه، مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، فليَقُلْ خَيْرًا أو ليَسكُتْ “ متفق عليه
– و إتماماً للقائدة نذكر صوراً أخرى ينتفي عندها كمال الإيمان و حقيقته و العياذ بالله تعالى ،
فمن أهمها وأخطرها الإساءة إلى الجيران:
فعن أَبي هريرة – رضي الله عنه: أن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «واللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ!» قِيلَ: مَنْ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ!». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
«البَوَائِقُ»: الغَوَائِلُ والشُّرُورُ.(6)
وأيضاً: ارتكاب الكبائر والموبقات:
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.» (7)

و بناءً على ما سبق:

 فاعلم أخي السائل أن الإيمان يزيد و ينقص -كما قال جمهور العلماء-، يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و المنكرات و الموبقات أجارنا الله و إياك منها و رزقنا كمال الإيمان.
و اعلم أن حقيقة الإيمان تتجلى في صور كثيرة منها :
 – عندما أعتقد جازماً صادقاً من قلبي بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعمل بمقتضى هذه الشهادة العظيمة فأنا مؤمن حقاً
– عندما أؤمن بكل أركان الإيمان وبكل ما أنزله الله في القرآن وبكل ما جاء به نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام فأنا مؤمن حقاً
– عندما يمتلئ قلبي ويتزين بحب الله تعالى ورسوله وحب هذا الدين والإيمان به وكره الكفر والفسوق والعصيان، فانا مؤمن حق الإيمان
– وعندما أتحلى بمكارم الأخلاق والصفات، والإحسان والبر بالآباء والأمهات، وحسن التعامل مع الأهل والذرية، والأقارب والجيران وسائر البرية، فأنا مؤمن حقاً
– و أخيرا عندما أترجم إيماني القلبي إلى إيمان عملي فيأمن الناس مني على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وسائر آماناتهم فأنا مؤمن حقاً
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم من أهل الإيمان حقاً و حقيقةً و الحمد لله رب العالمين

 

المصادر و المراجع
1-كتاب رياض الصالحين للإمام النووي : رقم (19) صفحة [39] ، دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى . و هو الحديث رقم 19 في الأربعين النووية
2- كتاب التعريفات للإمام  الشريف الجرجاني، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، ط1 ،ص (40)
3- رياض الصالحين رقم (682) صفحة (219)
4- صحيح البخاري رقم (14) [1\12] ، صحيح مسلم : رقم (44) [1\49]
5- حديث صحيح ذكره الإمام النووي في الأربعين النووية برقم (41)
6- رياض الصالحين رقم (305) صفحة (117)
7- صحيح البخاري رقم (6809) [8\164] و اللفظ له، و صحيح مسلم (57) [1\55]