ما هي الآداب المتعلقة بختم القرآن؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى

السؤال

ما هي الآداب المتعلقة بختم القرآن؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله تعالى لمَّا أكرمنا بهذا القرآن العظيم، وهذه المعجزة الخالدة، وجبت علينا تجاهه آداب لابد منها، وقد ذكر العلماء كثيراً من هذه الآداب، خصوصاً تلك المتعلقة بختم قراءته، ومنها:
1- يسنّ ختم القرآن كل أسبوع، كما كان عليه أهل النشاط من الصحابة والتابعين، ولا يزيد على شهر. فعَنْ ‌عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌اقْرَأِ ‌الْقُرْآنَ ‌فِي ‌شَهْرٍ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، حَتَّى قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ». (1)
2- الاجتماع لحضور مجلس الختم، وهو مستحب استحباباً متأكّدًا؛ فقد كان الصحابة والتابعون يحرصون عليه؛ فعن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ أنَسٌ رضي الله عنه إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ وَلَدَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فَدَعَا لَهُمْ”. (2)
وقال مجاهد بن جبر: «كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقولون: تنزل الرحمة». (3)
وعلل الإمام النووي سبب هذا الاجتماع بأنه : يستجاب الدعاء عند الختم وتنزل الرحمة.
وقال أيضاً: فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر الحيَّض بالخروج يوم العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين”. (4)
3- الدعاء عقب الختم: فيستحب الدعاء عقيب ختم القرآن استحباباً متأكدًا؛ لحديث: ” ‌مَنْ ‌قَرَأَ ‌الْقُرْآنَ ‌فَلْيَسْأَلِ ‌اللهَ ‌بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ ” (5)
قال النووي: واستحبوا الدعاء بعد الختم استحبابًا متأكدًا وجاء فيه آثار كثيرة، ويُلحُّ في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح ولاة أمورهم، ويختار الدعوات الجامعة. (6)
4- التكبير: ولفظه “اللَّهِ أَكْبَرُ”، أو: «لا إله إلا الله والله أكبر» وزاد بعضهم «ولله الحمد». ويبدأ التكبير من آخر سورة الضحى إلى آخر الناس أو أولهما. ولا يوصَل التكبير بآخر السورة، بل يُفصل بينهما بسكتة. (7) قال ابن الجزري في طيبة النشر في القراءت العشر:
وَسُنَّةُ ‌التَّكْبِيرِ ‌عِنْدَ ‌الْخَتْمِ … صَحَّتْ عَنِ اْلمَكِّيِنَ أَهْلِ العِلْم
5- يستحب كون الختم في أول الليل، أو أول النهار، وإن قرأ وحده فالختم في الصلاة أفضل. وقيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر، أو ركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل. (8)
6- الصيام: قال النووي: يَستحِبُّ السلفُ صيام يوم الختم، إلاَّ أن يصادف يوماً نهى الشرع عن صيامه”. وقال السيوطي: “ويُستحبّ صَوْم يوم الختم، وإحضارُ أهله وولِده وأصدقائه، ودعائه لهم؛ لأنه مستجاب، كما صح”. (9)
7- أن يبدأ بختمة جديدة بعد الانتهاء من الأولى، قال النووي: “واستحبوا إذا خَتَمَ أن يَشرع في ختمة أخرى”. (10) وقال أيضاً: “واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: “‌خير ‌الأعمال ‌الحِلُّ ‌والرِحلة، قيل: وما هما؟ قال: افتتاح القرآن وختمُه”. (11)
قال القسطلاني: ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة، عوداً على بَدء، من غير فصل بينهما، لا بدعاء ولا غيره، وذلك لوجهين:
أحدهما: ما رواه الترمذي في حديث أبي سعيد، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: «مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي ‌أَعْطَيْتُهُ ‌أَفْضَلَ ‌مَا ‌أُعْطِي ‌السَّائِلِينَ»، وَفَضْلُ كَلَامِ اللهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ”. (12)
والثاني: ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال المذكور في الحديث. (13)
ويسمون من يفعل هذا: بالحالِّ المُرتَحِل، أي: الذي حَلَّ في قراءة آخر الختمة، وارتحل إلى ختمة أخرى، فلا يزال سائراً إلى الله تعالى؛ فشبِّه القارئ عند شروعه بالختمة الجديدة، بمسافرٌ حلَّ منزلاً، ثم ارتحل عنه إلى منزل آخر، فهو خاتِمٌ الأُولى، ومرتحلٌ للأخرى.
ملحوظة: تكلم بعض أهل العلم في حديث الحال المرتحل؛ بسبب الكلام في أحد رواته، لكن قال الشيخ أبو شامة: ” ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه: الحث على الاستكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها، فكلَّما فرغ من ختمة شرع في أخرى، أي أنه لا يُضرب عن القراءة بعد ختمةٍ يفرغ منها، بل تكون قراءة القرآن دأبَه وديدَنَه”. (14)
وروى الحافظ أبو عمرو الداني فقال: “كانوا يستحبون ‌إذا ‌ختموا ‌القرآن ‌أن ‌يقرؤوا ‌من ‌أوله ‌آيات”. (15)
وقال ابن الجزري: وعلى كل تقدير فلا نقول إن قراءة الفاتحة والخمس من البقرة لازم لكل قارئ، بل نقول كما قال أئمتنا فارسُ بنُ أحمد، وغيرُه: مَن فَعَلَهُ فحسن، ومَن لم يفعلْه فلا حرج عليه. (16)
وأخيراً: أقول لمن وفقه الله تعالى فختم القرآن، ثم عاود ختمةً جديدة، ثم أُخرى، ثم أُخرى:  هنيئاً لكِ هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل، يا من جعلت كتاب الله رفيقاً لك في دربك وأضأت بنور حروفه ظلام قلبك.. هنيئاً لك فهذا والله هو الفوز. ويا قارئ القرآن…بقدر ما تُوسع  للقرآن في قلبك متكئاً، بقدر ما يُوسِّع الله لك الحياة في صدرك، وتذكر أن هذا التوفيق بفضل الله عليك ورحمته ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ ‌وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

(1): صحيح البخاري (4767)؛ نور الدين عتر علوم القرآن ص286.
(2): مسند الدارمي (3517).
(3): ينظر: الحسين بن الحسن الحليمي المنهاج في شعب الإيمان (2/221)؛ النووي الأذكار ص104؛ السيوطي الإتقان في علوم القرآن (1/382).
(4):  ينظر: النووي المجموع شرح المهذب (2/168)؛ النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص159.
(5): ينظر: مسند أحمد بن حنبل (19885)؛ سنن الترمذي (2917)؛ الطبراني المعجم الكبير (370).
(6): ينظر: النووي المجموع شرح المهذب (2/168)؛ النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص160؛ ابن الجزري النشر في القراءات العشر (2/440)- (2/452).
(7): ينظر: البيهقي في شعب الإيمان (3/224)؛ السيوطي معترك الأقران في إعجاز القرآن (2/198)؛ نور الدين عتر علوم القرآن الكريم ص287.
(8): ينظر:  النووي المجموع شرح المهذب (2/168)؛  النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص158؛ السيوطي معترك الأقران في إعجاز القرآن (2/198).
(9): ينظر: النووي المجموع شرح المهذب (2/168)؛ التبيان في آداب حملة القرآن ص158؛ السيوطي معترك الأقران في إعجاز القرآن (2/198).
(10): النووي المجموع شرح المهذب (2/168)؛ النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص162.
(11): النووي في الأذكار ص105؛ النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص162.
(12): سنن الترمذي 2926.
(13): ينظر: محمد بن أحمد الشهير بعقيلة الزيادة والإحسان في علوم القرآن (9/418).
(14):  ابن الجزري النشر في القراءات العشر (2/449).
(15): ينظر: ابن الجزري النشر في القراءات العشر (2/449).
(16): ينظر: ابن الجزري النشر في القراءات العشر (2/449)؛ أحمد بن محمد البناء إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر ص617؛ النووي التبيان في آداب حملة القرآن ص162.

[الشيخ] أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.