ما هو الأفضل للمسافر الفطر أم الصيام؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما هو الأفضل للمسافر الفطر أم الصيام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن السفر والتنقل جزء من حياة الإنسان، قلما يستغنى عنه الناس في بدو أو حضر. وللإنسان من وراء السفر حاجات وأغراض دينية ودنيوية، فردية، واجتماعية. فهو يسافر لطلب العلم، ولطلب الرزق، ولطلب الأمن، ولطلب الشفاء، ولطلب الثواب بالحج أو العمرة، كما يسافر لأغراض علمية واجتماعية مثل زيارة الأقارب والأصدقاء، أو التعرف على معالم البلدان الأخرى، والمشاركة في ندوات أو مؤتمرات، وقد يكون السفر لمجرد ترويح النفس بعد عناء العمل الطويل، وكل هذا مشروع، ولا حرج فيه.

لهذا عني الإسلام بالسفر وجعل له أحكامًا، تقوم على التيسير والتخفيف عن المسافر وتضع له رخصًا وأحكاما شتى، في الطهارة والصلاة والصيام والزكاة، فإن مصرف« ابن السبيل» للمسافر المنقطع عن وطنه وماله، وإن كان غنيًا في بلده.

ومن الرخص التي شرعها الإسلام للمسافر: رخصة الفطر في الصيام، وهي ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع،

رخص الله سبحانه وتعالى للصائم المسافر في أن يفطر متى كانت مسافة سفره لا تقل عن اثنين وثمانين كيلومترًا بشروط معينة ، وأناطَ رخصة الفطر بتحقق وصف السفر فيه دون نظرٍ إلى ما يصاحب السفرَ عادةً من المشقة؛ لأن السفرَ مضبوطٌ، فيصحّ أن يدور معه حكم هذه الرخصة وجودًا وعدمًا، أما المشقّة فهي مختلفة باختلاف الناس؛ ولذلك لم يرتب هذا الحكم عليها ولم يرتبط بها وجودًا وعدمًا؛ قال تعالى في آية الصوم: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، فمتى تحقَّق وصفُ السّفر في الصائم جاز له الفطرُ اشتمل سفَرُهُ على مشقّةٍ أو لا، وجاءت السنة فأكدت هذا الحكم قولاً وعملاً وتقريرًا.

لكن أيهما أفضل للمسافر الصوم أم الفطر؟ فالجواب أن المسافر لا يخلو من حالتين :

1.  المُسافِرِ الذي لا يشُقُّ عليه الصَّومُ:

إذا لم يَشُقَّ الصَّومُ على المسافِرِ، واستوى عنده الصَّومُ والفِطْرُ، فاختلف أهلُ العِلمِ في الأفضَلِ له: الصَّومُ أم الفِطرُ؟ على قولين:

القول الأول: الصَّومُ أفضَلُ له، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة،([1])

وذلك لما رواه أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عنه قال: (خَرَجْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه في يومٍ حارٍّ، حتى يضَعَ الرَّجُلُ يَدَه على رأسِه مِن شِدَّةِ الحرِّ، وما فينا صائِمٌ إلَّا ما كان مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وابنِ رواحةَ)([2]) وفِعلُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو الأفضَلُ

ولأنَّ الصَّومَ أسرَعُ في إبراءِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّ القضاءَ يتأخَّرُ

القول الثاني: الفِطرُ أفضَلُ له، وهو مذهَبُ الحَنابِلة([3])

و استدلوا بعموم الحديث الذي رواه جابر بن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ حيث قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فرأى زِحامًا ورجلًا قد ظُلِّلَ عليه، فقال: «ما هذا»؟ فقالوا: صائِمٌ، فقال: «ليس مِنَ البِرِّ الصَّومُ في السَّفَرِ»([4])

وقال آخَرُون: أفضلُهما أيسرُهما؛ لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]: فإِنْ كان الفطرُ أيسرَ عليه فيكونُ – في حقِّه – أفضلَ مِنَ الصوم، وإلَّا كان الصومُ أفضلَ إِنْ كان يسهل عليه، ويشقُّ عليه قضاؤه بعد ذلك، وهو مذهبُ عمر بنِ عبد العزيز، واختاره ابنُ المنذر،([5])

2.  المُسافِرِ الذي يلحَقُه بالصَّومِ مشقةٌ

إذا شقَّ الصَّومُ على المسافِرِ، بحيث يكونُ الفِطرُ أرفَقَ به، فالفِطرُ في حقِّه أفضَلُ؛ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة؛ وذلك لأنَّ ارتكابَ المَشقَّةِ مع وجودِ الرُّخصةِ يُشعِرُ بالعُدولِ عن رُخصةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ([6])

فالحمد لله على هذا الدين الذي امتن علينا بهذا الدين كما أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يصومون رمضان ويقومونه إيماناً واحتساباً، إنه جواد كريم.

([1]) البحر الرائق لابن نجيم (2/304). الكافي لابن عبد البر (1/337)، الفواكه الدواني للنفراوي (2/718). المجموع للنووي (6/261)، روضة الطالبين للنووي (2/370).
([2]) أخرجه البخاري (1945) ومسلم (1122)
([3]) الإنصاف للمرداوي (3/204)، كشاف القناع للبهوتي (2/311).
([4]) أخرجه البخاري (1946) ومسلم (1115)
([5]) بداية المجتهد لابن رشد (١/ ٢٩٦)، تفسير القرطبي (٢/ ٢٨٠)، المجموع للنووي (٦/ ٢٦٥)، فتح الباري لابن حجر (٤/ ١٨٣)
([6]) تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي (1/333). منح الجليل لعليش (2/119)، الفواكه الدواني للنفراوي (2/719). المجموع للنووي (6/261).

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.