ما معنى حديث «إلا الصوم، وأنا أجزي به» ؟

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

ما معنى حديث «إلا الصوم، وأنا أجزي به» ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
للزمن فضيلة ترفع من قيمة العمل الذي يقع فيه، وللمكان فضيلة كذلك، وللعمل فضيلة تختلف درجاتها، من حيث طبيعته ومن حيث الإخلاص فيه، ومن حيث حمايته من الخلل أو الزلل،
والحديث القدسي المشار إليه في السؤال هو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم ولفظه «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ… الحديث» [1].

ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله : «الصيام لي وأنا أجزي به» لماذا خص الصوم بذلك ؟

وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل [ابن حجر، فتح الباري] [2]،

وأهم هذه الأوجه ما يلي:
1. أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: «يدع شهوته من أجلي»

2. المراد بقوله «وأنا أجزى به»: أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته.
قال القرطبي: “معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير.
ويشهد لهذا رواية مسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» [3] أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٖ [سورة الزمر: 10].

3. معنى قوله: «الصوم لي» أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: «الصوم لي» فضلاً للصيام على سائر العبادات. عَنْ أَبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ» [سنن النسائي] [4].

4. الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: “التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف”.
وقد أورد النووي رحمه الله عدة أقوال للسلف في توجيهه [النووي، المنهاج] [5]  

5. قيل: لأن الصيام هي العبادة الوحيدة التي عُبِدَ الله بها وحده ولم يعبد أحد سوى الله بالصيام، أي لم يتقرب المشركون على مختلف الأعصار لمعبوداتهم بالصيام.

6. وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه حظ فيه..
ولا منافاة بين كل هذه الأقوال، ويحتمل أن تكون كلها مرادة.

نسأل الله أن يمن علينا بالقبول لنحظى برضا الله سبحانه و تعالى إنه خير مسؤول و الحمد لله رب العالمين  


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركيا إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح البخاري (1761). صحيح مسلم (1946).
[2] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/ 124.
[3] صحيح مسلم (1151).
[4] سنن النسائي (2220).
[5] النووي، المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (صحيح مسلم بشرح النووي) 8/ 29.