ما معنى التفسير الإشاري، وهل يجوز أن نقرأ الكتب التي ألفت فيه؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى

السؤال

ما معنى التفسير الإشاري، وهل يجوز أن نقرأ الكتب التي ألفت فيه؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الإشاري: هو تفسير آيات القرآن بغير المتبادر من ظاهرها، واستخراج معانٍ كامنةٍ وراء الظاهر بمقتضى إشاراتٍ خفية تَعْرِضُ لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بين هذه المعاني وبين الظواهر المرادة. (1)
والتفسير الإشاري ليس جديداً في إبراز معاني القرآن بل هو معروف قد فَسَّر به الصحابة من غير نكير، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ” كانَ عمر يدخلني ‌مع ‌أشياخ ‌بدر، فقال بعضهم: لِمَ تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم، لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئا، فقال لي: يا ابن عباس، أكذلك قولك؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له: {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة، فذاك علامة أجلك: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم”. (2)
وبسبب الأخطاء الخطيرة التي وقع فيها كثير ممن تناول تفسير الآيات إشارياً، فقد اختلفت أقوال العلماء في قبول هذا النوع من التفسير فهناك من رفضه، وهناك من قبله بشروط، ومن رفضه فإنما رفضه لعدم تحقق الشروط الواجب توفرها، وهذه الشروط هي:
1- أن يَصحَّ التفسير الإشاري على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب، وأن يكون في لفظ الآية إشْعارٌ به ؛ لأنَّ القرآن نزل بلغة العرب، .
2- أن لا يُدّعى أن التفسير الإشاري هو المراد وحده دون الظاهر، بل لا بد أن نعترف بالمعنى الظاهر أوّلا، إذ لا يطمع في الوصول إلى الإشارة قبل إحكام فهم العبارة. يقول الإمام السيوطي: «ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يُحكم التفسير الظاهر فهو كَمَن ادّعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب”. (3)
3- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده من غير معارض؛ فإذا  لم يكن للتفسير الإشاري شاهد في محل آخر، أو كان له شاهد لكنه معارض له صار دعوى تدّعى على القرآن من غير دليل. والدعوى التي لا دليل عليها مرفوضة باتفاق العلماء.
4- ألا يكون له معارض عقلي. (4)
وهذه نماذج من التفسير الإشاري المقبول والمردود نذكرها للتوضيح:
  • من التفسير الإشاري المقبول ما ذكرناه سابقاً عن ابن عباس حين فسر سورة النصر. ومنها تفسير قول الله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ ‌إِلَّا ‌الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79] إنه اللوح المحفوظ أو المصحف، وقالوا فيه إشارة: كما أن اللوح المحفوظ الذي كُتب فيه حروف القرآن لا يمسه إلاَّ بدنٌ طاهر فمعاني القرآن لا يذوقها إلاَّ القلوب الطاهرة وهي قلوب المتقين.
  • ومن التفسير الإشاري المردود المخالف للشروط: تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ ‌تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة: 67] هي “النفس”. وتفسير قول الله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ ‌إِنَّهُ ‌طَغَى﴾ [طه: 24] هو “القلب”. وتفسير قول الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي ‌يَشْفَعُ ‌عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]  فقالوا معناه: ” مَنْ ذل”: من الذُل، إشارة إلى النفس “يَشْفَ”: من الشفاء، “عِ”: أمر من الوعي. وغير ذلك مما كان سبباً في اعتراض العلماء على هذا النوع من التفسير. (5)
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، وهو هل يجوز القراءة فيما ألف فيه من الكتب؟
فالجواب: كل كتاب مؤلف في التفسير الإشاري فإنه يجوز القراءة به ما دام مؤلفه قد طبَّق الشروط الأربعة السابقة التي ذكرناها.
ومن كتب التفسير الإشاري التي ننصح بالقراءة فيها: تفسير ‌”البحر ‌المديد في تفسير القرآن المجيد”
لمؤلفه أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (ت ١٢٢٤هـ)، وتفسير “لطائف الإشارات” لمؤلفه الأستاذ عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (ت ٤٦٥هـ)، و”تفسير التُّستَري” لمؤلفه أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع التُستري (ت ٢٨٣هـ)، وتفسير “‌روح ‌المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني” لمؤلفه: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (ت ١٢٧٠هـ)وإن كان هذا التفسير ليس معدوداً ضمن كتب التفسير الإشاري إلا أنه ذكر كثيراً من التفسير الإشاري المقبول لبعض الآيات.
الخلاصة: التفسير الإشاري تفسير مقبول للقرآن عَمِل به الصحابة ومَن بعدهم، ولا بد لقبوله من تحقق الشروط الأربعة التي ذكرناها، وإلاَّ صار مَدخلاً يدخل منه الباطنية لضرب الإسلام، والعبث بالقرآن؛ فعلى المسلم أن يرجع فيما أشكل عليه من معاني كلام الله تعالى إلى أهل العلم الموثوقين.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

(1): التفسير والمفسرون (3/ 18)؛ علوم القرآن الكريم د. عتر ص97، مقدمات أساسية في علوم القرآن ص374
(2):  صحيح البخاري (4043).
(3): الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (4/226).
(4): علوم القرآن الكريم د. عتر ص98-99.
(5): الإتقان في علوم القرآن (4/224) ونَقل فتوى شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني أن م

[الشيخ] أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.