ما حكم المزاح في الإسلام؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما حكم المزاح في الإسلام؟ وهل مجرد المزاح يُعدُّ شيئًا مخالفًا لتعاليم الشرع؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      المزَاح مباحٌ، وقد يُسْتَحبُّ إذا كان فيه تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته وإدخال السرور على قلبه بما يتوافق مع الضَّوابط الشَّرعية، وقد يكون مذموماً ومكروهاً، إذا أفرط فيه صاحبه أو داوم عليه، وقد يكون محرماً إذا كان فيه تحقيرٌ أو استهزاء أو كذب أو غيبة، أو ترويع لمسلم أو نحوه ممَّا فيه ضرَر.

التفصيل والبيان:

      دعا الإسلام إلى الترويح عن النفس وعن الآخرين بالمرح والمزاح ولكن بما هو مباح أو مستحب أو محمودٌ شرعاً، ونهى في المقابل عن المزاح الذي يتجاوز فيه صاحبه الحدود أو الضوابط الشرعية أو العرفية.

قال النَّوويُّ: (قال العلماء: المزَاح المنهيَّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يُورث الضَّحك، وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله، والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقار، فأمَّا ما سَلِم مِن هذه الأمور، فهو المباحُ الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا مانعَ منه قطعاً، بل هو سنّةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذه الصفة، فاعتمدْ ما نقلناه عن العلماء وحقَّقناه في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يَعظمُ الاحتياجُ إليه، وبالله التوفيق) [1].

وهذه ضوابط المزَاح المقبول شرعاً:

1. ألا يكون فيه استهزاء بشيء من أمور الدِّين قطعاً: كالآيات أو الأحاديث أو العبادات و غير ذلك، فهذا يُعتبر ناقضًا مِن نواقض الإسلام، ومُخْرِجًا لصاحبه من الملَّة و العياذ بالله تعالى،
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۞ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة 65- 66]. 

2. أن لا يتضمَّن المزَاح سخريةً أو استهزاءً بالآخرين أو غيبة: وهذا يُعتبر كبيرةً من الكبائر،
قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

3. أن يكون المازح صادقاً: فلا يُدخِل فيه الكذبَ من أجل إضحاك من حوله، فقد قال الصَّحابة: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: «إنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقّاً» [2].
وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «وَيلٌ للَّذي يُحدِّثُ فَيَكْذِبُ ليُضحِكَ بِهِ القَومَ، وَيلٌ لَهُ، وَيلٌ لَهُ» [3].

4. أن لا يترتَّب عليه ضرر بالآخرين: مثل ترويع الشَّخص بقصد المزَاح معه، فقد نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنَّهم كانوا يسيرون مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فنام رجلٌ منهم، فانطلق بعضهم إلى حَبلٍ معه، فأخذه، فَفَزِعَ، “فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُروِّعَ مُسْلِمَاً”» [4].

5. أن لا يتَّخذ المرء المزَاح دَيْدَنه وعادته: وإنَّما يكون كالملح في الطَّعام، فإنَّ الإكثار من المزَاح مُذْهِب للمروءة، ويُفقد الشَّخص الهيبة، قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (مَن أكثرَ مِن شيءٍ عُرف به، ومَن مازح، استُخِفَّ به، ومن كَثُر ضَحِكه، ذهبت هيبته).

6. أن يراعي الأشخاص و الأماكن و الأوقات التي يمزح فيها: فما كلُّ أحدٍ يُمْزَح معه، ولا بدَّ من إنزال النَّاس منازلهم في المزَاح، فقد قيل: (لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك).

– وهذا من الضَّوابط المهمَّة للمَزْح، فليس كلُّ وقتٍ يَصلُح للمِزَاح، ولا كلُّ زمانٍ تليق فيه الدُّعابة. وكذلك الحال ليست كل الأماكن مناسبة لذلك، فقد قيل لسفيان بن عيينة: المزَاح هُجنة أو سُبَّة. فقال: (بل سنَّة، ولكن الشَّأن فيمن يُحسِنه، ويضعه مواضعه) [5].

– وبناء على ما سبق:

فلا مانع من المزاح مع من تحبهم وتريد مؤانستهم وإدخال السرور عليهم، أو إيصال معلومة نافعة أو غير ذلك من الفوائد، ولكن بشرط مراعاة الضوابط الشرعية والعرفية التي ذكرناها، ومع مراعاة الحكمة أيضاً في المزاح مع الأشخاص، وفي الأوقات والأماكن والأحوال المناسبة، والله أعلم..




تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي ، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

 

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء -تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأذكار للإمام النووي، ص521، الطبعة الأولى دار ابن حزم.
[2] سنن الترمذي وقال حديث حسن (1990) 4/ 57، طبعة مصطفى البابي الحلبي.
[3] سنن أبي داود (4990)، سنن الترمذي وقال حديث حسن (2316).
[4] سنن أبي داود (5004).
[5] اللطائف والظرائف للإمام الثعالبي، دار المناهل، بيروت، ص151.