ما حكم التبرع بالأعضاء؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

 ما حكم التبرع بالأعضاء؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،:

فهذه المسألة الفقهية من القضايا المعاصرة التي أدلى بدلوه فيها كثير من الفقهاء المعاصرين.

الاتجاهات الفقهية

وعموماً فإن للفقهاء المعاصرين فيها ثلاثة اتجاهات:
فريق يرى الجواز مطلقاً، وفريق توقف في الحكم في هذه المسألة، وفريق يرى الجواز بقيود وضوابط.

الأجر والثواب

وقبل ذكر حكمها يجدر التنبيه إلى أن هذا الأمر فيه من الأجر والثواب الأجر العظيم لقوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]،
قال الإمام الماوردي رحمه الله: “ندب الله تعالى إلى التعاون بالبر، وقرنه بالتقوى، فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]؛ لأن في التقوى رضى الله تعالى، وفي البر رضى الناس، ومن جمع بين رضى الله تعالى ورضى الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته. ([1]).

التبرع بالأعضاء

وتبرع الإنسان عند وفاته بعضو من أعضائه؛ ليدفع ضرراً يلحق بأخيه الإنسان أمر تبيحه الشريعة الإسلامية، ويندرج تحت القواعد المتفق عليها، مثل: ”الضرورات تبيح المحظورات“، و”الضرورة تقدر بقدرها”، وبهذا يكون المسلمون متعاونين كاليد الواحدة؛ لأنه لا برّ أسمى وأفضل من محافظة المسلم على حياة أخيه المسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ”تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.“ (2).

إزالة الكربات

ومن البرّ أيضاً أن يسعى الإنسان لإزالة شدة كرب أخيه، وهل هنالك كربة أشدّ من فقد البصر أو فشل كلوي أو عطل في الكبد؟ قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ؛ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ” ([3]).

فتوى المجلس الأوروبي

وقد آثرت الاستفادة من فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث حيث وضحت الأمور الهامة في هذا الموضوع فقد وضح فيها:
أنه تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:

– نقل العضو من حي.

– نقل العضو من ميت.

– النقل من الأجنة.

الرأي في الصور

وسأذكر رأيهم في الصورة الأولى والثانية لتعلقهما بالسؤال المذكور.

الصورة الأولى: نقل العضو من حي

تشمل الحالات التالية:

أ – نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.

ب – نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.

أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فردياً، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.

وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورِّثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.

الصورة الثانية: نقل العضو من ميت

ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:

– الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.

– الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً.

الأحكام الشرعية

وتوصل المجلس إلى الأحكام الشرعية التالية:

– يجوز نقل العضو من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.

– يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشرعية المعتبرة.

– تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.

– يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان إلى إنسان آخر.

– يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.

– يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة وليّ أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

– وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.

الخاتمة

نسأل الله الشفاء لجميع مرضى المسلمين والحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان.

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق،

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.

المراجع

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: ما حكم نقل أعضاء الإنسان لإنسان آخر؟

مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية، رقم الفتوى: 3895 حكم التبرع بالأعضاء.

([1]) أدب الدنيا والدين (1/ 183)
([2]) أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599)
([3]) أخرجه أبو داود (4946) والترمذي (1930) وابن ماجه (225) وابن أبي شيبة (27098)