ما حكم استعمال مستحضرات التجميل التي تحتوي على مواد أولية فيها مشتقات حيوانية؟ وهل هناك خلاف في طهارتها؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما حكم استعمال مستحضرات التجميل التي تحتوي على مواد أولية فيها مشتقات حيوانية؟ وهل هناك خلاف في طهارتها؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله :

فمن المقرر أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، فلا يحكم على شيء بأنه محرم أو نجس إلا إذا ثبت ذلك بيقين، وذلك أن الله امتن على عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعا، فقال: )هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا( [البقرة: 29].

عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ ، فَقَالَ: “الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ” ([1])

حكم التحول أو الاستحالة :

هل الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها ، تحوِّل المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة ، وتحوِّل المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً ؟

1. ذهب الحنفية والمالكية ، وهو رواية عن أحمد إلى : أن نجس العين يطهر بالاستحالة ، فرماد النجس لا يكون نجسا ، لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة ، فينتفي بانتقائها . فإذا صار العظم واللحم ملحا أخذا حكم الملح ؛ لأن الملح غير العظم واللحم .

ونظائر ذلك في الشرع كثيرة منها : العلقة فإنها نجسة ، فإذا تحولت إلى المضغة تطهر ، والعصير طاهر فإذا تحول خمرا ينجس .

فيتبين من هذا : أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها([2]) .

2.والأصل عند الشافعية، والحنابلة في ظاهر المذهب: أن نجس العين لا يطهر بالاستحالة([3])

و بهذا قال بعض الفقهاء المعاصرين كالشيخ محمد المختار السلامي في بحثه المقدم إلى مجلة مجمع الفقه الإسلامي: (الخمائرُ الجيلاتين على نوعين: حيوانيةٍ، ونباتيةٍ، فالنباتية: جائزة بلا خلاف، وأما الجيلاتين الحيوانيُّ: فبعضه مستخرَجٌ من تحت جلد الخنزير، وهذا لا خلافَ في نجاستِه، وحرمةِ أكلِه، ولا ضرورةَ تدعو للانتفاع به؛ لإمكان الاستغناء عنه بالجيلاتين النباتي أو الجيلاتين الحيواني المستخرج من البقر)([4]).

وبناءً على ذلك ما حكم استعمال مستحضرات التجميل التي تحتوي على مواد فيها مشتقات حيوانية كالجيلاتين ؟

على الرأي الأول وهو أنها تطهر بالاستحالة فـــ  :

– الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره : طاهر وأكله حلال .

-الصابون الذي يُنتج من استحالة شحم الخنزير أو الميتة يصير طاهراً بتلك الاستحالة ويجوز استعماله .

– الجبن المنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوان المأكول اللحم : طاهر ويجوز تناوله .

– المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير ، لا يجوز استعمالها إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه . أما إذا لم يتحقق ذلك فهي نجسة .

و ذلك نظرًا لما يظهر من استحالة للمادة وزوال حقيقتها، فحكمُها حكمُ النجاسةِ التي انغمرت في الماء الكثير، وذهب أثرُها، فكيف لو انضافت إلى ذلك مشقةٌ في اجتنابها، أو ضرورة إلى استخدامها؛ نتيجةَ انتشارها وكثرة دخولها في المواد المستعملة في العالم كله، والناس ليسوا سواء في الفِطْنة لما تحتويه المركبات الكيميائية والتنقيب عنها.

وبهذا قال القاضي محمد تقي الدين العثماني: إن كان العنصرُ المستخلصُ من الخنزيرِ تستحيلُ ماهيَّتُه بعملية كيمياوية، بحيث تنقلب حقيقتُه تمامًا، زالت حرمتُه ونجاستُه، وإن لم تنقلب حقيقته، بقي على حرمتِه ونجاسته؛ لأن انقلاب الحقيقة مؤثر في زوال الطهارة والحرمة عند الحنفية([5]).

و أخيرا إذا اجتنب الإنسان ما يشك في حرمته تورعا ، واتقاء للشبهات، فقد أحسن؛

فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ ) : «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([6])

وعَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ : حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ أَحَدٌ ، قَالَ : قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» ، قَالَ : « الْخَيْرُ طُمَأْنِينَةٌ وَالشَّرُّ رِيبَةٌ»([7]) .

وفقنا الله لالتزام أوامره و العمل بها و اجتناب نواهيه و البعد عنها

([1]) الحاكم (7208) والترمذي (1726) وابن ماجه (3367) والبيهقي (19451) وعبد الرزاق (8765))
([2]) ابن عابدين 1 / 209 ، 217 ، والدسوقي 1 / 52 ـ 53 ، والإنصاف 1 / 318 ، والمغني 1 / 72 .
([3]) نهاية المحتاج 1 / 247 ، والمغني 1 / 72 ، وروضة الطالبين 1 / 28.
([4]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2233).
([5]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 2210).
([6]) البخاري (52) ومسلم (1599)
([7]) ابن خزيمة (1095) وابن حبان (722) وأبو داود (1425) والترمذي (464)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.