ما حكم أخذ الأبناء غير المميزين إلى المسجد؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي  

السؤال

ما حكم أخذ الأبناء غير المميزين إلى المسجد؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

يجوز -ابتداءً- اصطحاب الأولاد الصغار غير المميزين إلى المسجد في بعض الحالات الخاصة أو النادرة أو الاضطرارية كما دلت على ذلك بعض الأحاديث، و لكن بشرط مراعاة آداب المسجد و حرمته و عدم التشويش على المصلين ، أو الخطيب أو الإمام ، أو إلحاق الأذى بالمسجد و مرافقه و غير ذلك ، و إلا فيكره ذلك -أو يحرم في بعض الحالات- صيانة لحرمة المساجد و عدم امتهانها، كما صرحت بذلك بعض الأحاديث الصحيحة ، و كما ذكر ذلك بعض العلماء كالنووي و غيره و الله أعلم

البيان و التفصيل :

دعا الإسلام إلى تدريب الأولاد و تعليمهم على الصلاة و اصطحابهم إلى المسجد لحضور جماعة المسلمين و اعتيادهم على ذلك و تعريفهم بالشعائر و المجالس و غيرها

و لكن لا بد أن يسبق ذلك تعليمٌ للأولاد و تعريفٌ لهم بآداب المسجد و قدسيته، و هذا يكون في سن التمييز ، و أما ما قبل ذلك فالأمر يحتاج إلى تفصيل و توضيح.
و سنعرض أولاً جملةً من الأحاديث النبوية الواردة في هذا الشأن ثم نستخلص منها الحكم الشرعي مع ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة .

فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم : «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا». متفق عليه (1)
و عَنْ ‌أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنِّي لَأَدْخُلُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ ».متفق عليه (2)
ففي هذه الأحاديث و غيرها دلالة على جواز إدخال الأولاد الصغار غير المميزين إلى المسجد ابتداءً.
– ولكن إذا ترتب على اصطحابهم إلى المسجد مفسدة أعظم من تلك المصلحة التي تُرجى من اصطحابهم إليه منع من ذلك ، كالتشويش على المصلين و رفع الأصوات و إلحاق الأذى و غير ذلك
فعَنْ ‌عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا. وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ ».رواه مسلم (3)
 قال النووي في شرح صحيح مسلم : « (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) أَيِ اخْتِلَاطُهَا وَالْمُنَازَعَةُ وَالْخُصُومَاتُ وَارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطُ وَالْفِتَنُ الَّتِي فِيهَا ».(4)
و يقول ابن عبد البر في التعليق على حديث أنس -رضي الله عنه- لما صلى خلف النبي -صلى الله عليه و سلم – مع اليتيم  : ” وفي هذا الحديثِ أيضًا ما يدلُّ على أنَّ الصَّبيَّ إذا عقَل الصلاةَ حضَرها مع الجماعة ودخَل معهم في الصَّفِّ إذا كان يُؤمَنُ منه اللَّعبُ والأذَى، وكان ممّن يَفهَمُ حدودَ الصلاةِ ويَعقِلُها، وقد رُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطاب أنّه كان إذا أبصَر صبيًّا في الصَّفِّ أخرَجه. … ، وهذا يَحتمِلُ أن يكون أنه لم يكن يُؤْمَنُ لَعِبُه ولهوُه، أو يكونَ كرِهَ له التَّقدُّمَ في الصَّفِّ ومنع الشيوخِ من مَوضعِه ذلك، والأصلُ ما ذكَرنا؛ لحديثِ هذا الباب، واللَّهُ أعلم. “(5)
و يقول الإمام النووي في المجموع : ( مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَفَاسِدُ كثيرة … وَمِنْهَا مَا يترب عَلَى ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِنْ اجتماع الصِّبْيَانِ وَأَهْلِ الْبَطَالَةِ وَلَعِبِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ وَامْتِهَانِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَحُصُولِ أَوْسَاخٍ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَفْرَادِهَا )(6)
و جاء في كتاب البيان و التحصيل لابن رشد القرطبي : (مسألة : وسئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد، أيستحب ذلك؟ قال إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث في المسجد فلا أرى بأساً، وإن كان صغيراً لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك.
قال ابن رشد: المعنى في هذه المسألة مكشوف لا يفتقر إلى بيان، إذ لا إشكال في إباحة دخول الولد إلى المساجد، … وإلا فالكراهة في إدخالهم فيه إذا كانوا لا يقرون فيه ويعبثون؛ لأن المسجد ليس بموضع العبث واللعب، وبالله التوفيق.)(7)

بناء على ما سبق :

فأوصيك أخي المسلم بأنه ينبغي مراعاة حال المسجد و قدسيته ، و أنه مكان لأداء العبادات و الفرائض المكتوبة و غير ذلك ؛ فلا ينبغي اصطحاب الأولاد الصغار غير المميزين إلى المسجد  إلا إذا كانت هنالك حالة خاصةً مثلاً ، أو من كان مضطراً إلى ذلك كأن يكون مسافراً ودخل المسجد وقت الصلاة، أو لم يجد من يترك ولده الصغير عنده فلا بأس بإدخاله المسجد و لكن مع الاهتمام بنظافة الطفل و متابعته خشية التشويش على المصلين أو الخطيب أو الإمام أو إلحاق الأذى بنفسه أو بالمسجد ، و الله أعلم.

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي   

المصادر و المراجع :
1-صحيح البخاري : [1\109] رقم (516) – وصحيح مسلم : [2\73] (543)
2- صحيح البخاري : [1\143] رقم (709) – وصحيح مسلم : [2\44] (470)
3- صحيح مسلم : [2\30] رقم (432)
4- شرح صحيح مسلم للنووي : [4\156]
5- كتاب التمهيد لابن عبد البر : [1\499]
6- المجموع شرح المهذب للنووي : [2\177-178]
7- كتاب: البيان والتحصيل لابن رشد القرطبي : [1\283-284]