ما حق الزوجة بالنسبة للنفقة والسكنى؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد فايز عوض

السؤال

 ما حق الزوجة بالنسبة للنفقة والسكنى؟

الجواب

 خلق فسوى، وقدر فهدى، له الأسماء الحسنى والصفات العلا.. وصلى الله على عبده المصطفى ونبيه المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه ودربهم واقتدى فاهتدى.
وبعد..
      فإن الله تعالى قد جعل في الأموال حقوقاً واجبات ونفقات مستحبات.. ومن الحقوق الواجبة نفقة الرجل على زوجته وأولاده بالمعروف… 
اتفقت كلمة الفقهاء على أن نفقة الزوج على زوجته واجبة
واستدلوا على هذا بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين.

قال الله تعالى في حق الوالدات: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  [البقرة:233].
وقال سبحانه: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾  [الطلاق:7].
وقال صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقِهِنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوْفِ» [1]

      وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لاَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِى بَنِيَّ، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَىَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ _ يعني إثم _؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِى بَنِيكِ» [2]

      فالنفقة على الزوجة حق لها على زوجها سواء كانت فقيرة محتاجة أو غنية موسرة.. فيجب على الزوج أن يوفر لزوجته وأولاده ما يحتاجون إليه من النفقة والسكن والمأكل والملبس والمشرب كاملًا؛ وإن كان هو فقيراً مدقعاً أو غنياً موسراً، فهو واجب على كل واحد بحسبه. وهو أمر أجمع عليه العلماء قاطبة.

فما المراد بالنفقة؟

النفقة لغة: هي ما ينفقه الإنسان على عياله.
وهي شرعاً: الطعام والكسوة والسكنى،
وعرفاً في إطلاق الفقهاء: هي الطعام فقط، ولذا يعطفون عليه الكسوة والسكنى، والعطف يقتضي المغايرة [3].

  • نفقة الزّوجة:

– شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج: إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية:
أولاً: تمكين الزوجة نفسها من الزوج، بأن لا تمنعه من وجوه الاستمتاع المشروع بها. فلو منعته، ولو عن بعض ذلك فقط، لم تجب نفقتها على الزوج [4].

ثانياً: أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره، ويستقر فيه، ما لم يكن المكان أو البيت غير صالح للسكن، أو البقاء فيه شرعاً. (فلو كان يقيم في بلدة لا يلحقها ضرر شرعي صحيح بالإقامة معه فيها، أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة، ولم تقبل بالإقامة معه فيها، أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة، ولم تقبل بالإقامة معه في تلك البلدة، أو ذلك المنزل، لم يُكلّف بالإنفاق عليها، لأنها تعدّ ناشزة حينئذ [5].

  • مقدار النفقة وضابطها:

      النفقة على الزوجة تقدّر حسب حال الزوج: في العسر واليسر. أما اختلاف حال الزوجة في ذلك فلا أثر له في هذا التفاوت.
والدليل على هذا: قول الله عزّ وجلّ: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7].

فقد جعل ميزان الإنفاق تابعاً إلى حالة الزوج سعة وضيقاً، لا إلى مستوى الزوجة ومكانتها [6].

  • مقدار النفقة

– حالة الزوج تصنّف شرعاً ضمن ثلاث درجات:

1ـ درجة اليسر: (الغنى).
2ـ درجة التوسط.
3ـ درجة الفقر.
والعرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون الإنسان به موسراً، أو متوسط الحال، أو فقيراً.

1. فأما الزوج الموسر، فيكلف من النفقة ما يلي:
أولاً: ما يساوي مد (حفنتين كبيرتين) كل يوم غالب قوت البلد التي هي فيها، مع تكلفة طحنه وخبزه، وما يتبع ذلك، أو يقدم ذلك خبزاً جاهزاً.

ثانياً: يقدم من الأدم ما اعتاده أهل تلك البلدة، وما يقدّمه عادة أمثاله من أهل اليسر والغنى.

ثالثاً: الكسوة اللائقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة، ويظهر أثر العرف في الكسوة، في نوعها جودة ورداءة، أما العدد والكمية، فإنما يتبع ذلك الحاجة لا العرف. ويدخل في حكم الكسوة ما يتبعها من أثاث وفراش، وأدوات مطبخ ونحو ذلك.

واعلم أن دليل العرف في ذلك كله، هو قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 233].

2. أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي:
أولاً: ما يساوي مدّاً ونصف مدّ من غالب قوت البلد التي هي فيه كل يوم.
ثانياً: الأدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لأوساط الناس، نوعاً وكماً.
ثالثاً: الكسوة اللائقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان، وما يتبعها من بقية حاجات المنزل المختلفة.

3. أما الزوج الفقير فيكلّف من النفقة بما يلي:
أولاً: ما يساوي مدّاً واحداً من غالب قوت البلد كل يوم.
ثانياً: الأدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلافه في تلك البلدة.

ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه معاوية القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما تقول في نسائنا. قال: « أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأكُلُونَ، وَاكْسُوْهُنَّ مِمَّا تَكْتَسُونَ، وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ، وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ» [7].

  • سكنى الزّوجة:

      السّكنى للزّوجة على زوجها واجبةٌ، لأنّ اللّه تعالى جعل للمطلّقة الرّجعيّة السّكنى على زوجها. قال تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ [الطلاق ٦]، فوجوب السّكنى للّتي هي في صلب النّكاح أولى.

     ولأنّ اللّه تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف [النساء:19].

ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكنٍ تأمن فيه على نفسها ومالها، كما أنّ الزّوجة لا تستغني عن المسكن؛ للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع. فلذلك كانت السّكنى حقًّا لها على زوجها، وهو حقٌّ ثابتٌ بإجماع أهل العلم [8].

  • المسكن الشّرعيّ للزّوجة:

      ذهب الشّافعيّة – غير الشّيرازيّ – إلى أنّ المعتبر في المسكن الشّرعيّ هو حال الزّوجة فقط. على خلاف قولهم في النّفقة؛ لأنّ الزّوجة ملزمةٌ بملازمة المسكن، فلا يمكنها إبداله، فإذا لم يعتبر حالها فذلك إضرارٌ بها، والضّرر منهيٌّ عنه شرعًا. أمّا النّفقة فيمكنها إبدالها [9].
وهناك تفاصيل أخرى في هذا الموضوع الهام والذي يظهر فيه مدى حرص ديننا الحنيف على إعلاء شأن المرأة وتكريمها والحمد لله رب العالمين.



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.



أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركية إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري (1568) وصحيح مسلم (1213)
[2] صحيح البخاري (2211) وصحيح مسلم (1714)
[3] مغني المحتاج للشربيني 3/ 426، المغني لابن قدامة 7/ 563 .
[4] روضة الطالبين للنووي 9/ 58  الفقه المنهجي 4/ 181
[5] روضة الطالبين للنووي 9/ 58- 59.
[6] روضة الطالبين للنووي 9/ 40، وتكملة المجموع 18/ 250.
[7] صحيح ابن حبان (160)، مستدرك الحاكم (2780)، سنن النسائي (2/ 2435)، وسنن أبي داود (2142).
[8] المجموع شرح المهذب ص 256، تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي 7/ 443.
[9] شرح منهج الطلاب 2/ 102، مغني المحتاج للشربيني 3/ 432.