ما المقصود بوقف جبريل في القرآن، وهل هناك مثل هذا النوع من الوقف أرجو الإفادة؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير

السؤال

ما المقصود بوقف جبريل في القرآن، وهل هناك مثل هذا النوع من الوقف أرجو الإفادة؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم
وقف جبريل: هي المواضع التي وقف فيها جبريل عليه السلام في القرآن الكريم أثناء مدارسته القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتابعه فيها ويتحرَّى الوقوف عندها، وسميت هذه المواضع بوقف جبريل لأن جبريل عليه السلام كان يعلمها المصطفى صلى الله عليه وسلم. (1)
فمن المعلوم أن الوقف على رؤوس الآي – عند كثير من أهل العلم – يعدُّ سنةً مطلقاً، سواء تعلق رأس الآية بما بعده أم لم يتعلق، ودليل القائلين بهذا: الحديث المروي عَنْ ‌أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «‌كَانَ ‌رَسُولُ ‌اللهِ ‌صَلَّى ‌اللهُ ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلَّمَ ‌يُقَطِّعُ ‌قِرَاءَتَهُ»، يَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثُمَّ يَقِفُ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. (2)
لكن هناك أنواع من الوقف المنسوب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن العظيم مما أكثره ليس برأس آية ونص عليه غيرُ واحدٍ من علماء القراءات، فقد نقل الأشموني صاحب “منار الهدى في بيان الوقف والابتدا” عن العلامة السخاوي لزوم تعلّم هذا النوع من الوقف، وأن هذا الوقف موجود في عشرة مواضع في كتاب الله تعالى، وسمى بعضها بوقف جبريل عليه السلام.
وهذا جزءٌ من كلام السخاوي كما نقله عنه الأشموني، حيث قال: “ينبغي للقارئ أن يتعلم وقف جبريل؛ فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله: {صَدَقَ اللَّهُ}، ثم يبتدئ: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبعه…إلى آخر كلامه(3)
وتحديد أماكنِ هذا النوع من الوقف، وعددِه جرى فيه اختلاف، فالذي ذكره السخاوي في كلامه السابق هو عشرة مواضع، وزاد غيره عليها، حتى وصلت إلى ما يقرب من ست عشرة موضعاً، وها هي على ترتيب ورودها في المصحف الشريف.
1 – كان يقف: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [البقرة: 148] ثم يبتدىء ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا ‌يَأْتِ ‌بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].
2 – كان يقف: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) [آل عمران: 95] ثم يبتدئ: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95]
3 – كان يقف: (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [المائدة: 48] ثم يبتدىء ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].
4 – كان يقف: (سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) [المائدة: 116]ثم يبتدىء ﴿إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116].
5 – كان يقف: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) [يوسف: 108]، ثم يبتدىء {على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني} [يوسف: 108].
6 – كان يقف: (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَ‌‌مْثالَ) [الرعد: 17]. ثم يبتدىء {لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى} [الرعد: 18]
7 – وكان يقف {والأنعام خَلَقَهَا} [النحل: 5] ثم يبتدىء {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5].
8- كان يقف: (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل: 103] ثم يبتدىء ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: 103].
9- كان يقف: (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) [لقمان: 13] ثم يبتدىء ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]
10- كان يقف: (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) [السجدة: 18]  ثم يبتدىء {لَاّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]
11- كان يقف: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) [غافر: 7] ثم يبتدىء ﴿وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]
12 -كان يقف: (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ) [النازعات: 22-23]  ثم يتبدىء {فنادى} [النازعات: 23].
13 – كان يقف: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 3] ثم يبتدىء {تَنَزَّلُ الملائكة} [القدر: 4].
14 – كان يقف: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر: 4] ثم يبتدىء ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ [القدر: 4].
15 – كان يقف: (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر: 4] ثم يبتدىء ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5].
16 – كان يقف: (بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر: 3] ثم يبتدىء ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 3]  (4)
بمقارنة هذه الوقوف بالمصحف المطبوع برواية حفص عن عاصم نجد أن أغلب هذه الوقوف ليست رأس آية، عدا الآية (3)، والآية (4) من سورة القدر فإن الوقف فيهما كان على رأس الآية.
قال الأشموني في منار الهدى: “فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعمد الوقف على تلك الوقوف وغالبُها ليسَ رأسَ آية، وما ذلك إلاّ لعلمٍ لدنِّيٍ عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ، فاتباعه سنة في أقواله وأفعاله”. (5)
ملحوظات تتعلق بوقف جبريل عليه السلام
  • سمى بعضهم هذا الوقف بوقف السُّنَّة، أو وقف النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف الاتباع؛ اتباعاً لهدي النبي  صلى الله عليه وسلم في الوقف عليه. (6)
  • انتقد بعض أهل العلم تسمية هذا الوقف بوقف جبريل؛ لأنه  لم يثبت بسند يعوَّل عليه. وقال بعضهم: تجد في حاشية بعض المصاحف (وقف جبريل)، وتجد (وقف مُنَزَّل)وتجد (وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم)، وتجد (وقف غفران)، وهذه الأوقاف ليس لها سند صحيح البتة، ونسبتها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أو جبريل عليه السلام باطلة، لذا لا يجوز أن تُدخل في حاشية المصحف، فضلاً عن الإشارة إليها في ثنايا كلام الله عزّ وجل. (7)
  • بالنظر والتأمل في أماكن الوقف السابقة المسماة بوقف جبريل نجد أنها لا تخرج عن أنواع الوقف التي اصطلح العلماء على تسميتها بــ: الوقف الحسن، والوقف التام، والوقف الكافي والجائز، لكن بقيت صحة نسبة هذه الوقوف لجبريل أو للنبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ الحصري: ” لكن مع التنقيب البالغ والبحث الفاحص ، في شتى الأسفار ومختلف المراجع ،من أمهات الكتب ، في علوم القرآن ، والتفسير ، والسنة ، والشمائل ، والآثار ، لم أعثر على أثر صحيح أو ( ضعيف )يدل على أن هذه المواضع أو بعضها من السنة العملية ،أو القولية ،ولعلنا نظفر بعد هذا نظفر بما يبدد القلق ويريح الضمير “. (8)
  • إن تحديد موضع الوقف الصحيح يعتمد على تقدير المعنى؛ لذلك فتحديد موضع الوقف في غير رؤوس الآيات أمر اجتهادي جائز ما دام صادراً من أهله في محله.
  • وأخيراً: أنصح الأخ السائل الالتزام بعلامات الوقف المرمَّزة في المصحف الشريف المطبوع بمجمع طباعة المصحف الشريف في الحجاز، فهذه العلامات في غالبها وافق عليه علماء القرآن، وإن أشكل عليك موضع للوقف فارجع لأهل العلم فاستفتهم، أو ارجع إلى كتب التفسير لتدرك المعنى فتفهم صحة الوقف من خطأه.
                           وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ  أنس الموسى بن محمد بشير


(1):ينظر: معجم علوم القرآن ص322.
(2): سنن الترمذي (2927).
(3):ينظر: منار الهدى في بيان الوقف والابتدا أحمد الأشموني (1/23).
(4):ينظر لكل ما سبق: منار الهدى في بيان الوقف والابتدا أحمد الاشموني المصري (1/23)؛ معجم علوم القرآن إبراهيم الجرمي ص323؛  معالم الاهتداء إلى معرفة الوقوف والابتداء للشيخ محمود خليل الحصري ص13.
(5):ينظر: منار الهدى في بيان الوقف والابتدا أحمد الأشموني (1/23)؛ هداية القاري إلى تجويد كلام الباري للمرصفي (1/377).
(6): ينظر: مختصر العبارات لمعجم مصطلح القراءات ص136.
(7): ينظر:  المحرر في علوم القرآن د. مساعد الطيار ص232.
(8):ينظر: إيضاح الوقف والابتدا أبو بكر الأنباري عند موضع كل آية برقمها في المصحف؛ معالم الاهتداء إلى معرفة الوقوف والابتداء للشيخ محمود خليل الحصري ص13.

الشيخ أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.