ما المقصود بالسور الزمنية في القرآن، وهل هناك مثل هذا في كتاب الله تعالى؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى  

السؤال

ما المقصود بالسور الزمنية في القرآن، وهل هناك مثل هذا في كتاب الله تعالى؟

الجواب

                                             بسم الله الرحمن الرحيم
لعل السائل يقصد السور التي سميت بما يدل على الزمن والوقت، وهي ثمانية سور، أقسم الله تعالى بالوقت في ستة منها واثنتان ذكرهما في داخل السورة.
والسور التي أقسم الله تعالى بها هي: سورة العصر ، وسورة الفجر، وسورة الليل، وسورة الضحى، وسورة الشمس، وسورة النجم؛
فقال تعالى في سورة العصر: ﴿‌وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 1-2]
وفي سورة الفجر أقسم فقال: ﴿‌وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 1-2].
وفي سورة النجم قال: ﴿‌وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: 1]
وفي سورة الضحى قال: ﴿‌وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى: 1-2]
وفي سورة الليل قال: ﴿‌وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: 1].
أما سورة الجمعة وسورة القمر، فلم يقسم الله تعالى فيهما بالجمعة ولا بالقمر، وإنما ذكر في سورة الجمعة يوم الجمعة وما تضمنه من بعض الأحكام المتعلقة بهذا اليوم المبارك،
فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ ‌يَوْمِ ‌الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
وكذلك سورة القمر، ذكر فيها القمر في معرض ذكر اقتراب قيام الساعة
فقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ‌وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1].

وهذه بعض الملحوظات المتصلة بسؤال السائل:

  • إقسام الله تعالى بالدهر دليل على شرفه وأهميته.
  • كان من شأن العرب أنْ تسبَّ الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلفِ مال أو غير ذلك. فيقولون: يا خيبة الدهر، ونحو هذا من ألفاظ سبِّ الدهر؛

لذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ». (1)

  • وفي الحديث الإلهي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

“قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ! فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ! فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شئت قبضتهما”. (2)

والدهر هو الزمان، ولا فعل له ولا تأثير، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى والفاعل المؤثر هو الله تعالى وحده. ومعنى فإن الله هو الدهر: أي هو فاعل النوازل والحوادث وخالقُ الكائنات.

  • إن كان السائل يقصد بالسور الزمنية أن الوقت ذكر في القرآن في داخل سوره، وإن لم تُسمَّ السور بهذا، فهو موجود فيه بكثرة؛ فمثلاً ذكرَ يوم السبت في سورة الأعراف في قوله تعالى:

﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا ‌يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163]

  • وذكرَ الليل والنهار أيضاً، والغداةَ والعشي كما قال تعالى:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ‌بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 274]

وقال أيضاً: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ‌بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ [الأنعام: 60]

وقال أيضاً: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ ‌بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]  وقال أيضاً: ﴿ ‌وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 138]  وقال أيضاً: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ‌بِالْغَدَاةِ ‌وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: 28] وغير ذلك كثير.

  • كما أقسم ربنا سبحانه وتعالى في سورة المدثر بالقمر، والليل، والصبح، فقال تعالى: ﴿‌كَلَّا ‌وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ﴾ [المدثر: 32-34].
وأخيراً: أذكِّر نفسي والسائلَ الكريم بسورة العصر ،هذه السورة القصيرةُ بعدد آياتها المليئة بالعبر، والتي أقسم فيها ربنا بالعصر،
فقال: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3]
العصر هو: الدهر أو الزمان الذي يمرُّ به الناس؛ لما فيه من العبر وتقلبات الليل والنهار، وتعاقب الظلام والضياء، وتبدُّل الأحداث والدول، والأحوال والمصالح، مما يدل على وجود الصانع عزّ وجلّ، وعلى توحيده وكمال قدرته.
وفي إقسام الله بالعصر، إشارة إلى أن عمْرَ الدنيا الباقي هو ما بين العصر إلى المغرب، فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها، فإن الوقت قد ضاق، وقد لا يمكن تدارك ما فات.(3)
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):صحيح مسلم (2246).
(2):صحيح مسلم (2246).
(3):التفسير المنير د. وهبة الزحيلي (30/393) .