ما المقصود بالبلوغ و متى أصير مكلفاً شرعاً؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما المقصود بالبلوغ و متى أصير مكلفاً شرعاً؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      يُقصدُ بالبلوغ  انتهاء حد الصغر وإدراك الحُلُم أو الاحتلام، وهذا يكون بظهور علامات البلوغ الجسدية الطبيعية كالاحتلام، أو الحيض – بالنسبة للفتاة- أو غير ذلك.
وقد يكون الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ وذلك بِتَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً لِلذَّكَرِ وَالأْنْثَى عند تأخر ظهور العلامات الجسدية.
وبمجرد البلوغ ينتقل الفتى أو الفتاة إلى مرحلة التكليف الشرعي -مع تحقق باقي شروط التكليف- وعندها يصبح مطالباً شرعاً بكل التكاليف الشرعية ومحاسباً عليها.

البيان والتفصيل:

      مرحلة البلوغ هي مرحلة انتقالية في حياة الإنسان ينتقل فيها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة بالنسبة للذكر، وكمال الأنوثة بالنسبة للأنثى.
ويُصاحب هذا الانتقال تغيراتٌ كثيرة على المستوى الجسدي والنفسي والاجتماعي..، وكل ذلك يستدعي ويستلزم تغيرات في الأحكام الفقهية تتناسب مع هذه المرحلة..
وسيقتصر كلامنا هنا -في الإجابة على هذا السؤال- على معنى البلوغ وعلاماته، ومعنى التكليف وشروطه.

أولاً. معنى البلوغ وعلاماته: 

فالبلوغ لغةً: من بلغ يبلغ، وبلغ الشيء: أي وصل إليه، وبلغ المرء أي أدرك الحلم.
واصطلاحاً: هو الوصول إلى التكليف مع تحقق باقي شرائط التكليف، أو هو: انتهاء حد الصغر، أو هُوَ الْخُرُوجِ مِنْ حَالَةِ الصِّبَا لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. كما عرفه العلماء [1].
فالمقصود بالبلوغ إذن؛ بلوغ السن التي يتأهل فيها الإنسان للتكليفات الإلهية، إذ كان سوياً في نشأته الإنسانية العامة [2].

– والفقهاء متفقون على أن البلوغ الطبيعي للإنسان يكون بظهور علاماته الطبيعية لأول مرة وعندها يبدأ التكليف مباشرة.

  • علامات البلوغ:

1. الاحتلام: وهو خروج المني من القبل. عند الذكر والأنثى لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور 59].

2. الحيض بالنسبة للأنثى أو ما يسمى بالعادة أو الدورة الشهرية، وهو خروج الدم من المرأة. لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «لا تُقْبَل صلاة الحائض إلا بخمار» [3].

3. الحمل بالنسبة الأنثى لأن الحمل دليل على إنزال المرأة فيحكم ببلوغها منذ حملت كما ذكر العلماء.

– وهناك علامات أخرى تظهر على الجسد في مرحلة البلوغ و لكنها لا تعتبر دليلاً قطعياً على حدوث البلوغ حقيقةً و فيها اختلاف بين العلماء، و بالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في موضوع ابتداء التكليف الشرعي.

وهذه العلامات هي: الإنبات- أي نبات الشعر الخشن حول الفرج- ، ونمو شعر الإبط ونتنه، ونمو العضلات، وغلظ الصوت، ونبات الشعر الخشن للوجه عند الفتى، وبداية ظهور الثدي عند الفتاة، وغير ذلك من التغيرات الجسمية.

– فإذا تأخر ظهور العلامات الجسدية فيصار عندئذ إلى الحكم بالبلوغ عند إتمام خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً لِلذَّكَرِ وَالأْنْثَى عند الشافعية ومن وافقهم من جمهور العلماء ما عدا أبي حنيفة رحمه الله والمالكية في بعض الروايات عن الإمام مالك.
      لحديث ابْنِ عُمَرَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي، وَرَآنِي بَلَغْتُ” [4].

      قَال الإمام الشَّافِعِيُّ  -فيما نقله الخطيب الشربيني عن العلامة القمولي أحد كبار فقهاء الشافعية- معقباً على هذا الحديث : (رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، لأِنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا، ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَهُمْ، مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَابْنُ عُمَرَ) [5].

      يقول ابن عاشور عند تعليقه على الآية القرآنية ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء ٦]
قال: “وَبُلُوغِ صَلَاحِيَّةِ الزَّوَاجِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَبِاخْتِلَافِ أَمْزِجَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْمِزَاجِ الدَّمَوِيِّ وَالْمِزَاجِ الصَّفْرَاوِيِّ، فَلِذَلِكَ أَحَالَهُ الْقُرْآنُ عَلَى بُلُوغِ أَمَدِ النِّكَاحِ، وَالْغَالِبُ فِي بُلُوغِ الْبِنْتِ أَنَّهُ أَسْبَقُ مِنْ بُلُوغِ الذَّكَرِ، فَإِنْ تَخَلَّفَتْ عَنْ وَقْتِ مَظِنَّتِهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَدَلُّ بِالسِّنِّ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ أَقْصَى الْبُلُوغِ عَادَةً، فَقَالَ مَالِكٌ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: هُوَ ثَمَانُ عَشْرَةَ سَنَةً لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الذُّكُورِ، وَقَالَ: فِي الْجَارِية سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً…. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً”. [6].

ثانياً. معنى التكليف وشروطه:

      وأما التكليف‏ فمعناه لغة: الأمر بالشيء والإلزام به، أو إلزام ما فيه كلفة. أي: مشقة [7].
واصطلاحاً: هو الإلزام بأحكام الله تعالى، أو هو الخطاب بأمرٍ أو نهيٍ [8].
والمكلف هو الملزم بها، مع تحقق شرائط التكليف الأخرى وهي: الإسلام والبلوغ، والعقل، والقدرة.

      ويقصد بالتكليف: أن يكون المسلم بالغاً عاقلاً قادراً، فإن فقد أحد هذه الأوصاف سقطت صفة التكليف عنه، وإذا سقطت صفة التكليف عنه لم يطالب بشيء من الوظائف الدينية. ودليل ذلك: حديث سيدنا علي رضي الله عنه، عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل [9][10].

بناءً على ما سبق:
      فإذا بلغ الطفل بلوغاً حقيقياً (طبيعياً) ،أو حكمياً (عمرياً) وكان مسلماً عاقلاً قادراً..، فإنه يصير مكلفاً شرعاً في جميع أحكام الشريعة كالعبادات والمعاملات وأحكام الحلال والحرام والحدود وغير ذلك من التفاصيل التي ذكرها العلماء.
ويبدأ التكليف مباشرة بعد الاحتلام للمرة الأولى للفتى أو الفتاة، أو رؤية دم الحيض كذلك بالنسبة للفتاة،
والله أعلم..


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي ، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

 

 

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء -تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] التحرير والتنوير لابن عاشور، [4/ 238]، الدار التونسية للنشر.
[2] الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي [8/ 258].
اشترك في تأليف هذه السلسلة: الدكتور مُصطفى الخِنْ و الدكتور مُصطفى البُغا و الشيخ علي الشّرْبجي ، الناشر: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق الطبعة: الرابعة.
[3] سنن أبي داود (641)، سنن الترمذي (377)، وهو حديث حسن.
[4] صحيح ابْنُ حِبَّانَ، رقم الحديث (6112) [7/ 62]، و البيهقي [3/ 83] وغيرهما. وورد فِي الصَّحِيحَيْنِ بدون لفظ “و لم يرني بلغت” البخاري [3/ 232] رقم (2664)، ومسلم [6/ 30] رقم (1868)، وينظر: بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، ص (332).
[5] مغني المحتاج للخطيب الشربيني [3/ 132- 133].
[6] التحرير والتنوير لابن عاشور، [4/ 239]، الدار التونسية للنشر.
[7] روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة [1/ 153].
[8] المرجع السابق [1/ 154].
[9] سنن أبي داود (4403).
[10] ينظر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي [2/ 79].