ماذا أفعل عندما أمشي في الشارع و تظهر أمامي نساء غير محجبات فيقع نظري عليهم دون قصد؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ماذا أفعل عندما أمشي في الشارع و تظهر أمامي نساء غير محجبات فيقع نظري عليهم دون قصد؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

هذا النظر هو ما يسمى في الشرع بنظر الفجأة و هو معفوٌ عنه بشرط عدم استدامة النظر و إتباع النظرة النظرة، فإذا وقع بصرك عليهن من غير قصد منك ؛ فعليك بصرفه عنهن مباشرةً، و متابعة طريقك فلا إثم عليك، و الله أعلم

التفصيل و البيان :

يقول الله تبارك و تعالى -آمراً عباده المؤمنين و المؤمنات بغض أبصارهم- : ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور ٣٠]
و ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور ٣١]، فذلك أطهر لقلوبهم و أزكى لهم عند الله وأفضل
و بناء على هذه الآيات الكريمة فإنه يحرم النظر إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه من العورات أو النساء الأجنبيات أو غير ذلك باتفاق العلماء
و هذا النظر المحرم قد يكون في العالم الواقعي المادي- كما هو المقصود من السؤال-، أو في العالم الافتراضي عبر المواقع و القنوات و وسائل التواصل الاجتماعي و غيرها

– و لكنه يستثنى من هذا التحريم ما كان لحاجةٍ ، أو ما كان غير مقصودٍ مِنَ النَّاظِرِ. و هو موضوع السؤال،
-فهذا النظر غير المقصود هو ما يسمى بمصطلح الشرع : “نظر الْفُجَاءَةُ” بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وَكَذَلِكَ الْفَجْأَةُ ،
– وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذَا النَّظَرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلاَ إِثْمَ فِيهِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: ( سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) (1) ، فَدَل عَلَى أَنَّ الإِثْمَ فِي اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ بَعْدَ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الأُولَى غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ أَيُّ إِثْمٍ،

يقول الإمام النووي عند شرح هذا الحديث : ( الفجأة بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ، هِيَ : الْبَغْتَةُ ، وَمَعْنَى نَظَرِ الْفَجْأَةِ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ بَصَرَهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَالِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَإِنِ اسْتَدَامَ النَّظَرَ أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ بَصَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ تعالى: ” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم..”)(2)

 وَلِمَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– لِعَلِيٍ: ( يَا عَلِيُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآْخِرَةُ )رواه الترمذي و أبو داود (3)

فَدَل عَلَى أَنَّ النَّظْرَةَ الأُولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فلاَ إِثْمَ فِيهَا ، و إنما الإثم في الثانية(4)،
و هذا الحكم ينطبق تماماً على ما يشاهده الناس في الواقع الافتراضي عبر القنوات و المواقع و وسائل التواصل، و الله أعلم

بناء على ما سبق:

بداية أقول لك أيها الأخ الشاب الكريم : بارك الله فيك و بأخلاقك و دينك، فهذا السؤال يدل على مدى مراقبتك لله عز و جل ، و التزامك بما أحل و حرّم ؛ فاثبت على ما أنت عليه.
ثانياً – لا إثم عليك في هذا النظر غير المقصود و لكن ينبغي أن تصرف بصرك مباشرة حتى لا تقع في الإثم ، و لا تتبع النظرة النظرة ، و لا تتساهل في ذلك؛ فالنظرة خطوة -أولى- في طريق الوقوع في الفواحش و المحرمات ، و هي سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله
ثالثاً – أنصحك بتجنب بعض الأماكن أو الشوارع و الطرقات التي يكثر فيها مثل هذه المناظر قدر الإمكان و على حسب الحاجة، و كذلك الحال في العالم أو الواقع الافتراضي في وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات و غيرها ، و الله يتولى هداك

المصادر و المراجع :

1- صحيح مسلم : رقم الحديث (2159) ، [6\181] ،باب نظر الفجأة
2- شرح صحيح مسلم لللإمام النووي ، [14\139]
3-  سنن الترمذي: رقم الحديث (2777) ، باب ما جاء في نظر الفجأة، و سنن أبي داود : رقم الحديث (2149) في باب النكاح.

4- ينظر أيضاً : الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت
[40\365- 366]