لماذا لا يجوز أن يسافر الإنسان ومعه القرآن؟

يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ أنس الموسى

السؤال

لماذا لا يجوز أن يسافر الإنسان ومعه القرآن؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما  بعد:

لا يوجد ما يمنع المسلم أن يسافر مصطحباً معه القرآن بل هو أمر مباح، لكن يبدو أن السائل قد اشتبه عليه الموضوع المتعلق بعدم جواز السفر بالمصحف إلى أرض المحاربين من الكفار؛ وهو ما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العدو” وفي رواية “لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ. فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» [1]

      فهذا الحديث صريح في النّهي عن السّفر بالمصحف أو بعض القرآن في صحيفة أو غيرها، فلا يحلّ للمسلم أن يمكِّن من مسّ المصحف كافرًا معاديًا؛ وذلك مخافة تعدّيهم عليه بالإهانة والاستخفاف، فإنهم قد يفعلون ذلك مغايظةً للمسلمين، كما يحدث في هذه الأيام بين الفينة والفينة من تعديهم على المصحف بالإحراق تحت ذريعة حرية التعبير.

      وقيَّد النبي صلى الله عليه وسلم الأرض المنهي عن حمل القرآن إليها أنها أرض العدو، إذ ليس كلّ كافر معاديًا؛ لأن الله تعالى فرّق بين أصناف الكفّار، فمنهم العدوّ المحارب، ومنهم المسالِم الّذي بينه وبين المسلمين عهد وميثاق، ولم يسمّه عدوّا مع كفره، لأجل الميثاق الذي بينه وبين المسلمين كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ ‌وَبَيْنَهُمْ ‌مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]  فالّذي يُتصوّر منه الاعتداء على القرآن إنّما هو الكافر الحربيّ، لا من بينه وبين المسلمين عهد.

      وعليه: فحمْلُ المصحف إلى أرض الحرب هو المراد بالنهي من حمل القرآن عند السفر، أمّا السفر بصحبة المصحف إلى أرض عهود ومواثيق يكون المسلم آمناً فيها على القرآن وعلى دينه، فلا حرج من أن يكون معه فيها مصحفه، كما يقتضيه واقع النّاس في زماننا.
وقد صرّح فقهاء الحنفيّة أنّ المسلم إذا دخل بلاد الكفّار بأمان جاز حمل المصحف معه إذا كانوا يوفون بالعهد. [2].

      وأخيراً: بعد انتشار الوسائل الحديثة والتقنيات الإلكترونية صار المصحف في متناول الجميع مسلمهم وكافرهم، فعلى المسلم المعظِّم لكتاب الله عز وجل أن يعمل كل ما يمكنه عمله مما يرجع على هذا المصحف بالتعظيم والحفظ وكلٌّ في ثغره، فاحذر أخي المسلم أن يؤتى المصحف من قبلك.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أنس لموسى، وراجعها الشيخ فراز رباني.

الشيخ أنس الموسى عالم إسلامي من مواليد سورية حماة 1974م. حاز على إجازة في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، وماجستير من جامعة يلوا في نفس التخصص، فضلاً عن أنه مجاز في الهندسة من جامعة دمشق. تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ بكري الطرابيشي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
لديه خبرة واسعة في تطوير التدريس والمناهج في المعاهد الإسلامية في سورية وتركية وغيرهما…
يقوم بالإقراء بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ومدرس لمختلف العلوم الشرعية في كثير من المعاهد الشرعية، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية.


[1] صحيح مسلم (1869).
[2] الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، محمد علاء الدين الحصكفي. وحاشية رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين 4/ 130. والمبسوط، الإمام شمس الأئمة السرخسي 10/ 29. وإكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض 6/ 282.