كيف يُستخدم الحديث الشريف في استنباط أحكام الفقه؟

 يجيب عن السؤال الشيخ أبو بكر باذيب

السؤال

كيف يُستخدم الحديث الشريف في استنباط أحكام الفقه؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛

فمن المعلوم والثابت أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، والسنة تشمل أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه الخلقية والخلقية،

قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].

والسنة النبوية عمادها الأحاديث النبوية المرفوعة، وهذه الأحاديث الشريفة على درجات، منها المتواتر وهو قليل جداً، ومنها الصحيح والحسن والضعيف، وهناك أحاديث موضوعة مكذوبة تحرم روايتها مالم يكن للتحذير منها أو بيان درجتها.

كما أنه من المعلوم أن الأحكام الشرعية لا تثبت ولا يحتج فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن، أما الضعيف فلا تثبت به الأحكام. هذا هو المقرر والمعتمد والمعمول به، فسؤال السائل عن وجود أحاديث ضعيفة في بعض كتب الفقه، سؤال في محله، ويدل على فطنة وانتباه.

والجواب عن هذا السؤال يأتي في سياق عرض الأسباب التي لأجلها وجدت تلك الأحاديث في كتب الفقه، وهي أسباب نتجت عن أبحاث عميقة ومطولة لأهل العلم، فنجملها فيما يلي:

  • فمنها: وجود خلاف في تصحيح وتضعيف الحديث، بين أهل العلم، لأن التصحيح والتضعيف موطن اجتهاد فربما يكون الحديث صحيحاً عند هذا الفقيه وضعيفاً عند غيره، والعلماء طبقاتٌ، فمنهم المتشدد، ومنهم المتساهل، ومنهم المعتدل. وذلك الخلاف في الحكم على الحديث، مبني على خلافهم في قواعد التصحيح والتضعيف، نظرا إلى عدالة الرواة وضبطهم واتصال السند، ووجود شذوذ أو علة في سند أو متن الحديث، وغير ذلك، كما أن نظر الفقيه إلى الحديث المحتج به ليس كنظر المحدث.
  • ومنها: أن الحديث الضعيف أنواعٌ، وليس نوعاً واحداً، منها: الحديث المرسل، فقد احتج به بعض الفقهاء مطلقاً، وبعضهم رده مطلقاً، ومنهم من توسط فأخذ بمراسيل بعض التابعين دون بعض كما هو صنيع الإمام الشافعي.
  • ومنها: أن ذكر الفقيه للحديث الضعيف يقترن بقرينة أخرى، كأن يذكره استئناساً لا احتجاجاً، أو يذكره لاشتهاره، أو لسريان العمل عليه عند طبقة، أو تعضده فتوى صحابي، أو قياس صحيح، وغير ذلك مما يعتمد عليه بعض الفقهاء.
  • ومنها: وهو من الأمور المهمة في المسألة، أن لا يوجد للحديث الضعيف معارض من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماع.
  • ومنها: أن لا يشتد ضعفه جداً، فينزل إلى مرتبة المنكر أو الواهي أو الموضوع.
  • ومنها: وهو قليل، أن يكون الفقيه لا معرفة له بهذا الفن فلا يميز بين الصحيح والضعيف فيورد الحديث الضعيف ظنا منه أنه صالح للاحتجاج، أو يكون مقلداً لفقيه سابق أورد الحديث في كتابه، فتابعه تقليداً وإحساناً للظن.

فمن هنا، نعلم أن وجود أحاديث ضعاف في بعض كتب أهل العلم، لا يعني الغاء العمل بها، ولا يحملنا على إساءة الظن بمؤلفيها، بل الواجب الترحم على العلماء المتقدمين ممن لهم مؤلفات نافعة، والاستفادة منها قدر الإمكان، مع الاستمرار في طلب العلم والتخصص والاطلاع على مناهج المؤلفين، حتى لا نقع في الإنكار على ما لا نحسنه، ونبخس العلماء حقوقهم ونتنقص من أقدارهم.

وبعد، فهذه جملة من الأسباب التي تيسر جمعها وحصرها، ومن أراد المزيد من العلم والفائدة فليرجع إلى الكتب المتخصصة، والى الأبحاث التي ألفت في هذا الباب بخصوصه، والله الموفق والهادي سواء السبيل(1).

الهوامش:

(1)         ينظر للمزيد: العيدروس، زين بن محمد، الحديث الضعيف وأثره في الأحكام؛ الخضير، عبدالكريم بن عبدالله، الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به؛ العثيم، عبدالعزيز بن عبدالرحمن، تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف؛ العزامي، خليل بن إبراهيم، خطورة مساواة الحديث الضعيف بالموضوع. وغيرها من المؤلفات.