كيف يقبض العلم في آخر الزمان ونحن نرى كثرته مع إنشاء الجامعات ونشر المعلومات عبر النت؟

 يجيب عن السؤال الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

كيف يقبض العلم في آخر الزمان ونحن نرى كثرته مع إنشاء الجامعات ونشر المعلومات عبر النت؟

الجواب

عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»([1])
جعَلَ اللهُ العِلمَ مَنارًا وهِدايةً إلى طَريقِه، وبدونِ العلمِ يَضِلُّ الناسُ الطَّريقَ، فالعِلمُ الحَقيقيُّ هو الذي يَمنَعُ مِن الوُقوعِ في الزَّللِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ لا يَرفَعُ العِلمَ مِن النَّاسِ بإزالتِه مِن قُلوبِ العُلماء ومَحوِه مِن صُدورِهم، ولكنْ يَقبِضُ العلمَ بقَبْضِ العُلماءِ وموتِهم، فيَضيعُ العِلمُ، فلا يُوجَدُ فيمَن يَبْقى مَن يَخلُفُ مَن مَضَى، وكلَّما ذَهَبَ عالِمٌ ذهَبَ بما معه مِن العِلمِ، حتَّى إذا لم يُبْقِ اللهُ عالِمًا ومات أهلُ العلمِ الحقيقيِّ، وصَلَ الجُهلاءُ إلى المراكزِ العِلميَّةِ الَّتي لا يَستحِقُّونها؛ مِن تَدريسٍ وإفتاءٍ ونحوِه، وجعَلَ النَّاسُ منهم عُلماءَ يَسأَلونهم، فيُفتونَ بغيرِ عِلمٍ لجَهْلِهم، فيُحِلُّون الحرامَ، ويُحرِّمون الحلالَ، فيَضِلُّون في ذاتِ أنفسِهم عن الحقِّ، ويُضِلُّون مَن اتَّبَعهم وأخَذَ بفَتْواهم مِن عامَّةِ النَّاسِ.
ولا تُغْني المُؤلَّفاتُ والرَّسائلُ و المواقع وغيرُها عن وُجودِ العُلماءِ؛ لأنَّها لا تُفهَمْ على وَجْهِها الصَّحيحِ بدُونِهم.
وفي هذا الحديثِ: الحثُّ على تَعلُّمِ العِلمِ وحِفظِه؛ فإنَّه لا يُرفَعُ إلَّا بقبْضِ العُلماءِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن تَرئيسِ الجهَلةِ، وتَحذيرُ وُلاةِ الأُمورِ مِن تَعيينِ الجُهَلاءِ في المناصبِ الدِّينيَّةِ.
وفيه: أنَّ الفَتوى هي الرِّياسةُ الحقيقيَّةُ، وذمُّ مَن يُقدِمُ عليها بغَيرِ عِلمٍ.
وهذا فيه الحث على طلب العلم، والعناية بطلب العلم، وأخذ العلم من أفواه العلماء، ولا يكفي أن يكون الإنسان يأخذ العلم من الكتاب والقراءة ما يكفي، وليس هناك أحد تعلم وصار طالب علم من الكتب أبدًا، فالعلم إنما يؤخذ من أفواه العلماء.
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: القول في الدين بغير علم ضلال في النفس، وإضلال للخلق، فحرامٌ على المسلم أن يقول في دين الله بغير علم، وعليه أن يسلك الأدب الشرعي في ذلك، فيقول فيما لا يعلمه: (لا أدري)، ويربي نفسه على ذلك حتى يتعوده، وقد قال هذه الكلمة سيد الناس صلى الله عليه وسلم، وسادات العلماء السابقين، وهم قدوتنا وسلفنا؛
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ ؟ فَقَالَ : « لَا أَدْرِي » فَلَمَّا أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ قَالَ : « يَا جَبْرَئِيلُ ، أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ ؟ » قَالَ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي ، فَانْطَلَقَ جَبْرَئِيلُ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ سَأَلْتَنِي أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ ؟ وَإِنِّي قُلْتُ لَا أَدْرِي ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فَقُلْتُ : أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ ، فَقَالَ : « أَسْوَاقُهَا » ([2])
قال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله في المستدرك على الصحيحين: هذا الحديث أصلٌ في قول العالم: لا أدري.
الفائدة الثانية: لقد أوجب الله على الجاهلين أن يسألوا أهل العلم؛ فقال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43، الأنبياء: 7]، فلا يجوز للمسلم أن يسأل مَن لا علم عنده أو يأخذ بقوله؛ وذلك لِما يسببه له من الضلال عن دين الله تعالى،
يقول الإمام محمد بن سيرين رحمه الله تعالى مقررًا هذه المسألة: (إنَّ هذا العِلمَ دِينٌ، فانظُروا عمَّن تأخُذون دينَكم.)([3]).
الفائدة الثالثة: إن من مداخل الشيطان على المسلم أن يقوِّلَه في دين الله ما لا يعلم، حتى يوقعه في فتنة عظيمة وإثم كبير؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169]،
وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]،
فحرامٌ على المسلم أن يقول في دين الله ما لا يعلمه؛ فيقع في إثم القول على الله بغير علم.
والله المستعان على العلم والعمل به، والفقه في دينه، والنُّصح له
_________________________________________________________________________________
([1]) البخاري (100) ومسلم (2673)

([2])الحاكم (302) وأحمد (17016) وأبو يعلى (7403) والبزار (3430) والطبراني (1545)

([3]) مسلم في “مقدمة صحيحه” (1 / 11) والدارمي (399) وابن أبي شيبة في “مصنفه”  (27168) والترمذي في “الشمائل” (415)

الشيخ محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.