كيف يصلي المريض؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

كيف يصلي المريض؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فالأصل في الصلاة أن تؤدى كاملة بأفعالها وحركاتها من قيام وركوع واعتدال وسجود وجلوس، كما هو معلوم بالضرورة لكل مسلم، لما أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)(1). وقد تطرأ على المصلي حالات توجب عليه عدم إكمال حركات الصلاة وأفعالها.

أولاً: المريض إذا كان يطيق القيام، فيجب عليه القيام، لقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) [البقرة: 238]، ولحديث عمران بن الحصين: “صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب” أخرجه البخاري(1). فلا يعذَر القادرُ على القيام بالصلاة من جلوس البتة، وصلاته في هذه الحالة باطلة. قال الإمام النووي في (المنهاج): “فإن لم يطق انتصاباً، وصار كراكع، فالصحيح أنه يقف كذلك، ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر. ولو أمكنه القيام دون الركوع والسجود، قام وفعلهما بقدر إمكانه”(2).

ومثال المريض الذي يقدر على القيام: من كان مصاباً في يده، أو كانت به جراحة أو نحو بثور أو حساسية، أو سخونة خفيفة، أو صداع محتمل.

ثانياً: المريض الذي لا يطيق الصلاة من قيام، وهذا له حالات وصور:

  • الصورة الأولى: المريضُ مرضاً عارضاً، كمن به سخونة شديدة تصيبه بالإعياء الشديد فلا يحتمل الوقوف، فهذا يصلي قاعداً، إلى أن يزول مرضه ويمكنه القيام فيعود إلى الصلاة من قيام. ومثله المريض بانزلاق الغضروف أو الدّسك الذي يصيب فقار الظهر، فقد تأتي عليه أوقات يخف ألمه فيها، فيجب عليه عندئذ أن يقوم ما لم يكن قيامه يتسبب في تمادِي المرض أو حدوث مضاعفات، وهذا مرده إلى الطبيب الذي يتابع حالته، فهو الذي يقرر له إمكانية القيام من عدمه.
  • الصورة الثانية: المريض مرضاً مزمناً، كالمشلول، أو المصاب في فقار ظهره إصابة لا يرجى برؤها، ولا يستطيع الوقوف أو إكمال الركوع والسجود، فهذا يصلي على الحالة التي يستطيعها إما جالساً على نحو كرسي أو مستلقيا على سريره ويوجه وجهه إلى القبلة في حال الاستلقاء، وفي كل حالة يستطيع أن يدوم عليها فيجب عليه أن يومئ بالركوع والسجود، وليكن سجوده أخفض من ركوعه، ما أمكنه.

هذا بالنسبة للفرائض، أما النوافل فالأمر فيها مبني على التخفيف، فلا يجب القيام فيها كوجوب الفريضة، لحديث: (من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد)(2).

نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بالصحة والعافية، وأن يجنبنا الأمراض والأسقام ظاهراً وباطناً، وأن يعيننا على أداء عبادتنا على الوجه الذي يرضيه. فالواجب على المسلم أن لا يتهاون في أداء صلاته، وليحرص على أدائها كاملة تامة مالم يقم به عذر المرض، والحمدلله رب العالمين.

الهوامش:

1- سنن الترمذي: 1/ 535، حديث 413.

2- النووي، منهاج الطالبين: ص 97.

3- صحيح البخاري، حديث رقم 1117.

4- صحيح البخاري، حديث رقم 1116.

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)