حكم مشاهدة كرة القدم وممارستها

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أنا وبعض زملائي نمارس كرة القدم، ونشاهد مبارياتها، ونشجع أحد الفرق بها، فما حكم الشرع في هذا الأمر؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

يجوز ممارسة رياضة كرة القدم ومتابعة المباريات وتشجيع أحد الفرق المشاركة في البطولات، ولكن بشرط مراعاة الضوابط الشرعية العامة والخاصة، كأن لا يترتب على ذلك تضييع الواجبات الشرعية والمسؤوليات المجتمعية وعدم الضرر والإيذاء، وكذلك ألا يترتب على ذلك التعلق أو التقليد الأعمى لأحد اللاعبين واتخاذهم قدوة للشباب مما لا يوافق شرعنا الحنيف.

التفصيل والبيان:

      دعا الإسلام إلى الترويح عن النفس بالمباحات وممارسة الألعاب والرياضات النافعة بشكل عام، وخاصة التي فيها تقوية للأبدان وتنمية للعقول واكتساب وتطوير للمهارات وتنشيط للنفس وترويح عن القلوب وتفاعل مع المجتمع خاصة عند الأطفال والشباب..
يقول الإمام الغزالي في كتابه الإحياء: “وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنِ الْكُتَّابِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْمَكْتَبِ، فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ، وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ، وَيُنَغِّصُ عَلَيْهِ الْعَيْشَ” [1]

والنصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصى، منها:
      قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال 60]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» رواه الإمام مسلم [2]

      وكما جاء في آخر حديث حنظلة رضي الله عنه… فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنكم لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً  ثلاث مرات» أخرجه مسلم [3]

– ولعبة كرة القدم المعروفة الآن، هي من الرياضات المباحة سواء في ذلك اللعب فيها أو مشاهدتها أو تشجيع أحد اللاعبين أو الفرق أو الأندية المشاركة فيها.. ولكن بشرط مراعاة الضوابط الشرعية العامة لكل الرياضات، والضوابط الخاصة بهذه اللعبة وهي القوانين التي تحكمها، بحيث لا يترتب على مخالفتها نزاع أو خصام وحدوث مشكلات بين اللاعبين أو المتابعين والجمهور.

– ومن هذه الضوابط الشرعية للألعاب والرياضات المباحة في عصرنا:

  1. ألا يصاحبها أمر منهي عنه: ككشف العورات أو الاختلاط المحرم، أو التلفظ بألفاظ وكلمات نابية كالسب واللعن وغير ذلك مما هو معروف.

  2. أن لا يترتب علها تضييع الواجبات الشرعية – كالصلوات مثلاً – والمسؤوليات المجتمعية، كالعمل والدراسة والقيام بالواجبات تجاه الأسرة أو المجتمع وغير ذلك.  

  3. عدم إلحاق الأذى أو الضرر المادي أو المعنوي بأحد اللاعبين أو بالممتلكات العامة أو الخاصة كما قال صلى الله عليه و سلم: «لا ضرر ولا ضرار» رواه الإمام مالك في الموطأ [4]

  4. ألا يترتب على ذلك التعلّق أو التقليد الأعمى لأحد اللاعبين أو الفرق المشاركة واتخاذهم قدوة للشباب في شكلهم وتصرفاتهم وغير ذلك مما لا يوافق الشرع، مثل تقليد حلاقة شعر الرأس لبعض اللاعبين أو وضع وشم أو وضع صورة أو رمز لا يوافق شرعنا وهكذا..

  5. احترام قوانين اللعبة والتحلي بالأخلاق الإسلامية الرفيعة أثناء اللعب وتقبل النتيجة أياً كانت سواء من قبل اللاعبين أنفسهم أو المشجعين.

– فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَاقَةُ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وُجُوهِهِمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ فَقَالَ: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» رواه الإمام البخاري [5].

– و أما بالنسبة لتشجيع بعض الفرق فهذا جائز أيضاً ؛ فقد أخرج الإمام البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «”ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ”. قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟”، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ”» [6] 

  • بناءً على ما سبق:
    فيجوز لك ممارسة لعبة كرة القدم أنت وزملاؤك ومشاهدة مبارياتها، وتشجيع أحد الفرق المشاركة فيها، ولكن بشرط مراعاة الضوابط التي ذكرناها. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] إحياء علوم الدين للإمام الغزالي [3/ 73]، ط دار المعرفة – بيروت.
[2] صحيح مسلم: رقم الحديث ( 2664)، [8/ 56]، ط دار الطباعة العامرة – تركية.
[3] صحيح مسلم: رقم الحديث (2750)، [8/ 94]، ط دار الطباعة العامرة – تركية.
[4] الموطأ للإمام مالك: رقم الحديث (2758) [ 4/ 78]، ط مؤسسة زايد، الطبعة: الأولى،
وهذا الحديث مذكور أيضاً في الأربعين النووية برقم 32.
[5] صحيح البخاري الطبعة السلطانية، رقم الحديث (2872)، [4/ 32].
[6] صحيح البخاري الطبعة السلطانية، رقم الحديث (2899)،[4/ 38].