إذا نزل حكم لسبب من أسباب النزول فهل ينحصر الحكم في تلك الحادثة أو يكون منطبقاً على كل الحالات؟

يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى

السؤال

إذا نزل حكم لسبب من أسباب النزول فهل ينحصر الحكم في تلك الحادثة أو يكون منطبقاً على كل الحالات؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن سؤال السائل يتعلق بنزول القرآن الكريم، فهل ما نزل من القرآن لسبب خاصّ يجب أن يقتصر فيه الحكم على سببه، أم أن الحكم يكون عامّاً؟
ولو أجرينا مقارنة بين ألفاظ الآيات الّتي نزلت لسبب نجد أنّها تأتي باللّفظ العامّ الّذي يشمل تلك الواقعة الّتي جاء الحديث بأنّها السّبب في نزولها، كما تشمل كلّ ما يندرج تحت عموم ذلك اللّفظ.
ولكن لابد عند هذه المقارنة من ملاحظة أمرين هما:
الأول: إن كان النص النازل خاصًا بالسبب، ولا عموم للفظه؛ فإن الآية حينئذ تقتصر على ما نزلت بسببه قطعًا، كما في قول الله تعالى في سورة الليل: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا ‌الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: 17-18]  فهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع؛ لهذا استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ‌أَتْقَاكُمْ إِنَّ﴾ [الحجرات: 13] على أن سيدنا أبا بكر الصديق هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يكون السبب خاصًا ولفظ الآية عامًّا يشمل كل ما يندرج تحت عموم ذلك اللفظ، فهنا لا يجوز الاقتصار على السبب الذي نزلت به الآية؛ فلو أراد الله تعالى اختصاص الحكم بالواقعة الّتي نزل فيها لما أنزله نصّا عامّا، وإنّما أريد للنّصّ أن يكون قانونًا عامّا يجري على كلّ الأشباه والنّظائر لتلك القصّة الّتي نزلت الآية لأجلها؛ لهذا ذكر العلماء قاعدة هامةً في هذا فقالوا:  (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب).
ومثال ذلك: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَقِيتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ، فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ، وَبَاشَرْتُهَا وَقَبَّلْتُهَا، وَفَعَلْتُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَأَقِمِ ‌الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] ، قَالَ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَهُ خَاصَّةً، أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟، فَقَالَ: ” ‌بَلْ ‌لِلنَّاسِ ‌كَافَّةً”. (1)
وأخيراً: إن قاعدة “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” قاعدةٌ بدهية، بل وعليها درجت القوانين في كل دول العالم؛ فإن القانون عادةً يَصدر لأسباب خاصة، ثم يكون حُكمه عامًّا على الجميع.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): صحيح مسلم (2763)؛ مسند أحمد (4250) واللفظ له.
(2): ينظر: لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي ص212؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1
/110) (1/112)؛ تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي (23/351)؛ مناهل العرفان للزرقاني (1/125)؛ علوم القرآن الكريم د. نور الدين عتر ص52.

[الشيخ] أنس الموسى

هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.