أنا طالبة جامعية أدرس في مدينة أخرى بعيدة عن أهلي فهل يجوز لي السفر لوحدي أو العيش لوحدي أو في السكن الجامعي المخصص للطالبات؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

أنا طالبة جامعية أدرس في مدينة أخرى بعيدة عن أهلي فهل يجوز لي السفر لوحدي أو العيش لوحدي أو في السكن الجامعي المخصص للطالبات؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين و بعد:

لا يجوز  لك السفر  لوحدك بدون أحد من المحارم كالأب أو الأخ أو غيرهما أو الزوج ، و أما السكن في الأماكن المخصص للطالبات؛ فلا يشترط له وجود المحرم أو الزوج ، فيجوز مع مراعاة ظروف الأمان و السلامة على الدين و النفس و العرض و غير ذلك
و بناء على ذلك: يمكن لأحد محارمك أو زوجك أن يسافر معك و يوصلك إلى السكن الجامعي ثم يرجع ، و الله أعلم

البيان و التفصيل:

للإجابة على هذا السؤال سنفصل بين أمرين : حكم السفر  ، و حكم السكن،  و بالله التوفيق.

فلا يخفى على أحد ما للسفر من مشقة و مخاطر ، ولذلك جعلته الشريعة مَظِنَّةً لها ، و بَنَت عليه بعض الأحكام و الرخص كقصر  الصلاة و  جمعها ، وكالإفطار في رمضان و غير ذلك.

و من هذه الأحكام: اشتراط وجود الزوج أو المحرم مع المرأة في السفر ، و هذه جملة من الأحاديث و الروايات التي توضح هذا الحكم و تدل عليه.

فعَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ  -رضي الله عنهما – أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

« لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ». متفق عليه (1)
‌و في رواية ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:

 « سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ..”(2)

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

 (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ، تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ). (3)

– يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم بعد أن أورد كل هذه الروايات و غيرها :

(قَالَ الْعُلَمَاءُ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاطِنِ، وَلَيْسَ فِي النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم وَاللَّيْلَةُ أَوِ الْبَرِيدُ،  قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا ، وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا، وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا فَقَالَ : لَا ، …  وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ  ، وَلَمْ يُرِدْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْدِيدَ أَقَلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لرواية بن عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ آخِرُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي حْرَمٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى سَفَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ) (4)

– فهذا يدل على عدم جواز السفر لوحدها في كل ما يسمى سفراً، و الكلام هنا يتعلق بسفر المرأة عامة للدراسة و العمل و حج أو عمرة التطوع و غير ذلك، أما السفر لحج الفريضة فذلك له تفصيل خاص ذكره العلماء و لا يمكن تطبيقه على غيره من أنواع السفر ،و ليس مكانه هنا. (5)

– ثم ذكر النووي بعض الاختلاف في المسألة و بين القول الصحيح فيها فقال:

( وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خُرُوجِهَا لِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ)(6)

و يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج : ( أَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا تَجِبُ، فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَعَ امْرَأَةٍ ، بَلْ وَلَا مَعَ النِّسْوَةِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ )(7)

هذا ما يتعلق بحكم السفر .

– أما ما يتعلق بحكم السكن : فلم يرد في الشرع اشتراط وجود المحرم أو الزوج فيه، فلا مانع من السكن في سكن الطالبات المخصص لهن ، مع مراعاة شروط و ظروف الأمان و السلامة على الدين و الأخلاق و النفس و العرض و غير ها ، كعدم وجود اختلاط محرم أو صحبة بنات غير ملتزمات بالدين و الأخلاق و أحكام الحلال و الحرام و غير ذلك و الله أعلم

 بناء على ما سبق:

لا يجوز لك أيتها الأخت الكريمة أن تسافري لوحدك لأجل الدراسة إلا مع محرم أو زوج ، أما السكن فلا مانع منه بشرط مراعاة شروط الأمان و السلامة على الدين و الأخلاق و النفس و العرض و غير ذلك
و يمكن في حالتكِ هذه أن يسافر معك الزوج أو أحد المحارم و يوصلك للسكن الجامعي ثم يعود و الله أعلم

المصادر و المراجع :

1- صحيح البخاري : حديث رقم (1037) ، [1\369]، و صحيح مسلم : حديث رقم (1338)، [4\102]
2- صحيح مسلم : حديث رقم (1338)، [4\102]
3-  صحيح البخاري : حديث رقم (1038) ، [1\369]،

4- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، دار إحياء التراث العربي ، ط2،[9\102]
5- ينظر: كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني ، دار الكتب العلمية ، الطبعة: الأولى، [2\216]
6- المنهاج شرح صحيح مسلم  للإمام النووي ،[9\104]
7-  مغني المحتاج  للخطيب الشربيني ،  [2\217]