ما لمقصود من قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ‌جَعَلَا ‌لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الأعراف: 190] وهل يمكن لآدم وحواء جعل شريك من دون الله تعالى؟

يجيب عن السؤال الشيخ أنس الموسى 

السؤال

ما لمقصود من قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ‌جَعَلَا ‌لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الأعراف: 190] وهل يمكن لآدم وحواء جعل شريك من دون الله تعالى؟

الجواب

 بسم الله الرحمن الرحيم

لعل السائل تبادر إلى ذهنه عند قراءة الآية أن آدم وحواء بعد أن رُزِقا بولدٍ صالح جعلاه شريكاً لله تعالى، وبالطبع ليس المراد من الآية ما يشي به ظاهرها، ولا بد قبل الإجابة عن المقصود منها تصور وفهم سياق هذه الآية وسباقها كما هو في سورتها، حيث يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الأعراف: 189-190]

يبين الله تعالى في هذه الآيات بدء الخليقة، وكيف خلق الخلق الأول من نفس واحدة هي آدم عليه السّلام، ثم خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناس منهما، وجعل زوجه من جنسه، ليسكن إليها، ويطمئن بها. ثم ذكر الله تعالى ثمرة هذا التزاوج بينهما فقال: {فَلَمّا تَغَشّاها حملت حملاً خفيفاً} فكان حملاً خفيفاً لا تظهر آثاره المعتادة على المرأة، ثم لما أثقلت المرأة الحامل وصارت ذات ثِقَلٍ بحملها بسبب كبر الولد في بطنها وحان وقت الوضع، {دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما}، أي دعا الزوجان وهما آدم وحواء مُقْسِمين: {لئن آتيتنا صالحا} أي إن رزقتنا من هذا الحمل ولدًا صالحًا وبشرًا سويًا، تام الخلق، لنكونن لك من الشاكرين. فلما آتاهما الله ما طلبا {جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما}.

والآن نعود على المقصود من قوله تعالى: (جعلا له شركاء): فليس المراد من هذا السياق أن من جعل الشركاء هما آدم وحواء، وإنما المراد الذين لم يؤمنوا من ذرية آدم عليه السلام. وقد بيَّن الحسن البصري أنهم اليهود والنصارى؛ رزقهم الله أولاداً فهوّدوا ونصّروا. ويؤيد هذا الفهم أن الله تعالى ذكرهم بعد ذلك بصيغة الجمع فقال: {فَتَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ}.

والخلاصة:

إن الشرك نسب إلى آدم وحواء، والمراد به أولادهما؛ لأن آدم وزوجته لم يكونا مشركين. (1)
ملحوظة: للآيات تفاسير أخرى، لكنها جميعًا تنفي أن يكون آدم وحواء أشركا بالله سبحانه وتعالى، فلا يمكن لآدم أن يَجعل شريكاً لله تعالى، والله سبحانه أرسله ليقرر عقيدة التوحيد؟!

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1): مختصر تفسير ابن كثير (2/73)، زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (2/176)، التفسير المنير (9/200).

[الشيخ] أنس الموسى

الشيخ أنس الموسى هو الشيخ الحافظ الجامع أنس الموسى بن محمد بشير من مواليد سوريا – حماة 1974م 

تخرج في المعهد الهندسي قسم الإنشاءات العامة بدمشق، وتخرج في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص الحديث النبوي. 

قرأ على كبار علماء دمشق، منهم الشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ أديب الكلاس وغيرهم.

حفظ القرآن وأُجير به وبالقراءات العشر المتواترة،  على الشيخ بكري الطرابيشي والشيخ موفق عيون، كما وتخرج من مدرسة الحديث العراقية.

درس الكثير من المواد الشرعية في المعاهد الشرعية في سوريا وتركيا.

إمام وخطيب لمدة تزيد على 15 سنة.

مدرس للقرآن الكريم بمختلف قراءاته ورواياته.

حالياً يعمل كمدرس في مؤسسة سيكيرز، ومسؤول التوجيه الأكاديمي فيها.

أنهى مرحلة الماجستير في الحديث النبوي، وهو الآن يكمل في مرحلة الدكتوراه بنفس التخصص، متزوج ومقيم في إستانبول.