كيف يحصن شبابنا أنفسهم ضد الشبهات و الشهوات التي تمس العقيدة و الأخلاق من خلال ما يبث عبر وسائل التواصل و الإعلام ؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

كيف يحصن شبابنا أنفسهم ضد الشبهات و الشهوات التي تمس العقيدة و الأخلاق من خلال ما يبث عبر وسائل التواصل و الإعلام ؟

الجواب

الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد :

فإن الشباب هم عماد الحياة، وبهم تعمر المجتمعات، والحديث عن سبل حفظ الشباب وتوجيههم الوجهة الصحيحة طويل ومتشعب ، و لكن نكتفي بذكر جملة من القواعد و المبادئ، أولها و أهمها ترسيخ الإيمان و معانيه في النفوس و العقول كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه ” يا غلام إني أعلمك كلمات”،

 ثانيها: التأسيس النفسي و الشرعي و العلمي الصحيح، من خلال بناء الشخصية و تقويتها و إبعادها عن حالة الإمعية.

و ثالثها : عدم التعرض للفتن و المقدمات المفضية إلى الشهوات و الشبهات ،

و رابعها: اعتماد منهج التثبت العلمي و أخذ العلوم و الأخبار عن مصادرها و أهلها

 قبل كل ذلك و بعده الدعاء و الالتجاء إلى الله تعالى، و طلب الهداية و الثبات منه وحده سبحانه و تعالى. و الله أعلم

البيان و التفصيل:

لا يخفى على أحدنا الواقعَ الذي يعيشه شبابُنا في هذا الزمن، الذي تكاثرت فيه ألوان و أنواع الفتن والشبهات و الشهوات، و تيسير سبيل الوصول إليها و نشرها عبر الوسائل الحديثة، و مواقع التواصل و القنوات غير المنضبطة، سواء أكان ذلك بشكل موجه و ممنهج و متعمد أم غير ذلك ..

– و الكلام في هذا الموضوع كثير و خطير يحتاج إلى جلسات و ندوات، و لكن سأتكلم باختصار مركزاً على أهم المبادئ و الأفكار التي يحصن شبابنا أنفسهم من هذه الفتن :

أولاً – ترسيخ الإيمان و معانيه في النفوس و العقول كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه عندما أردفه صلى الله عليه و سلم خلفه على دابته و قال له:” يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنّ الأمَّةَ لو اجتَمعت على أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ” (1)

و كما قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ و الكلمة الطيبة هي كلمة الإيمان و التوحيد و الخبيثة عكسها ..

ثم ذكر في الآية التي تليها مباشرة ارتباط الإيمان بالثبات فقال :﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ  ﴾ [إبراهيم 24-27]

ثانياً – التأسيس النفسي و الشرعي و العلمي الصحيح، من خلال بناء الشخصية و تقويتها و إبعادها عن حالة الإمعية ، مع المحافظة على النشأة الصالحة وفعل الطاعات و أداء العبادات وخاصة الصلاة و صحبة الصالحين.. و غير ذلك

يقول تعالى : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة 109]

فبعض شبابنا المسلم -مثلاً- يعيش حالة ” الإمعية العمياء” التي نهانا عنها نبينا صلى الله عليه و سلم، كما يروي لنا سيدنا حذيفة بن اليمان ضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : “لا تَكونوا إمَّعةً ، تَقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا ، وإن ظلَموا ظلَمنا ، ولَكِن وطِّنوا أنفُسَكُم ، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا ، وإن أساءوا فلا تظلِموا “(2)

يقول سيدنا عبد الله بنِ مسعودٍ رضي لله عنه : ” كنّا في الجاهليةِ نُسَمِّي الإمَّعَةَ الذي يأتي الطعامَ ولم يُدْعَ إليه إلّا أنّ الإمَّعَةَ فيكم المُحْقِبُ دينَه.” (3) أي : الّذي يتبع كلّ أحد على دينه..

و قال أيضاً: ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنّه لا أسوة في الشّرّ “(4).

ثالثاً- عدم التعرض للفتن و المقدمات المفضية إلى الشهوات و الشبهات ؛ فترك المقدمات يمنع حصول النتائج و العواقب ، و قد عبر القرآن الكريم عن هذا المنهج بكلمات ، مثل :” ولا تقربوا الزنى”، و “فاجتنبوه” ،

كما في قوله تعالى : ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ﴾ [الإسراء 32]

و قوله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة 90]
فترك المحرمات و مقدماتها، و غض البصر، و ترك الاختلاط المحرم، و رفقاء السوء و مواقع السوء و وسائل و تطبيقات السوء .. تؤدي إلى مرحلة الاستبراء للدين و العرض كما قال عليه الصلاة و السلام: ” … فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه و عرضه و من وقع في الشبهات و قع في الحرام…” متفق عليه (5)

و كما في حديث حُذَيْفَةُ رضي الله عنه أن قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.” (6)

رابعاً –  اعتماد منهج التثبت العلمي و أخذ العلوم و الأخبار عن مصادرها و أهلها و الرجوع إليهم ، خاصة فيما يتعلق بإثارة الفتن و الشبهات الفكرية و الإيمانية كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :” تكون بين يدي الساعةِ فِتَنٌ كقِطَعِ الَّليلِ المظلِمِ، يُصبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا، و يُمسي كافرًا، و يمسي مؤمنًا و يصبِحُ كافرًا، يبيع أقوامٌ دِينَهم بعَرَضِ الدنيا.” (7)

و كذلك فيما يتعلق أيضاً بإثارة الشهوات والفتن الأخلاقية والمشاكل المجتمعية:

من أمثلة ذلك قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات 6]، و في قراءة ( فتثبتوا)

خامساً – الدعاء قبل كل ذلك و بعده و الالتجاء إلى الله تعالى
فالرجوع إلى الله وحده، و الالتجاء إليه في الشدة و الرخاء بالدعاء، هو السبب الحقيقي في الثبات، فهو الذي بيده الأمر، و هو الذي قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، كما أخبرنا صلى الله عليه و سلم (8) ،و كما قال الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا و في الآخرة ..) [إبراهيم 27]

و بناءً على ما سبق :

فينبغي عليك أيها الشاب التوجه إلى أهل العلم والاختصاص الموثوقين من أصحاب السند المتصل للتعلم والبحث ، وللسؤال والاستفهام عما يعرض لك من الفتن و الشبهات،

وكذلك ملازمة الطاعات و مصاحبة الصالحين، و عدم التعرض لأسباب الفتن و مواطنها و ترك المقدمات التي تفضي إلى الشبهات أو الشهوات، و الاستعانة بالله تعالى في كل حال . و الله يتولى هداك

 المصادر و المراجع :

1 – رواه الترمذي برقم (2516) وَقالَ: حديث حسن صحيح.
2 – رواه الترمذي برقم (2008)
3 – الهيثمي ، مجمع الزوائد ( 4\59 ) و الحاكم في المستدرك برقم (7178) [ 4\145]
4 – الشاطبي ، كتاب الاعتصام( 2\359 ) وكتاب السنن الكبرى للبيهقي ( 20349 )
5 –  صحيح البخاري رقم (52) , و صحيح مسلم رقم (1599).
6 – صحيح مسلم رقم (144)
7 – أخرجه الترمذي برقم ( 2196) وقال: هذا حديث حسن صحيح
8 – صحيح مسلم : رقم (2654)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ