إذا كان شخص معروفا بالاستهزاء بالدين وسب الدين فهل نصلي عليه عند وفاته وهل يورث؟
يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب
السؤال
إذا كان شخص معروفا بالاستهزاء بالدين وسب الدين فهل نصلي عليه عند وفاته وهل يورث؟
الجواب
بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛ فإن الاستهزاء بالدين، أو سبَّ الدين، والعياذ بالله تعالى من كُل ذلك، حرامٌ، بل من كبائر الآثام، ولا يتصف به إلا من ساء عمله، وخذله الله، وهو من عمل الشيطان، غير أن لكل عمل ولكل لفظ مقصداً ونية:
أ فإن قصد به المتلفِّظُ بسب الدين: طريقةَ الشخص وتدينه وأخلاقه؛ فهو آثمٌ شرعًا، مُرتكبٌ لمعصيةٍ سمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم فسقًا؛ فقال: “سبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر”، متفقٌ عليه(1).
ب أمَّا مَن سبَّ الدين مريدًا به دينَ الإسلام قاصدًا عالِمًا مختارًا فهذا هو الكفر المخرج عن الملة.
وللأئمة الفقهاء من المذاهب الأربعة تفصيل في هذه المسألة، وما يقع من تلك الألفاظ المسيئة ردةً وما لا يقع كذلك، قال الإمام النووي في (الروضة): “كتاب الردة، هي من أفحش أنواع الكفر، وأغلظها حكماً”، إلى أن قال: “وهي قطع الإسلام، ويحصل ذلك:
(1) تارة بالقول الذي هو كفرٌ.
(2) وتارة بالفعل.
والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات”، إلى أن قال معدداً أنواع الردة: “أو أنكر نبوة نبيّ من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أو كذَّبه، … أو سب نبياً، أو استخفّ به”(2).
وفي (حاشية الشبراملسي على النهاية) تفصيل مهم يفيد اشتراط وجود قرينة تدل على قصد الاستهزاء(3)، كما فصل الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه (الإعلام بقواطع الإسلام)(4) ذكر العبارات التي يكفر بها قاصدها.
وصدرت عن دار الإفتاء المصرية فتوى محررة، فيها ضوابط تكفير المستهزئ بالدين، لا تخرج عما ورد في هذا الجواب المختصر، جاء في خاتمتها ما نصه: “وبناءً على ما ذكر وفي واقعة السؤال: فإن سب الدين أمرٌ محرمٌ شرعًا؛ فإن قصَد به المتلفظُ طريقة الشخص وتدينه وأخلاقه فهو آثم شرعًا مرتكب لمعصية سمَّاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسقًا، ولكنه لا يكون كافرًا ولا يجوز إطلاق الكفر عليه، أمَّا مَن سب الدين مريدًا به دين الإسلام، قاصدًا عالمًا مختارًا فهو كافر مرتد عن الدين”(5).
وبناء على ما سبق:
فإنه على القاضي النظر في حيثيات الحكم الشرعي الذي يصدر عنهما تجاه من رفع أمره إلى القضاء في واقعة سب للدين، ويتحرى في معرفة حيثيات الواقعة، وهل صدر ذلك اللفظ في حالة غضب، أو جهل، أم أنه صدر عن قصد وتعمد، فالحكم القضائي هو الذي يقرر هل يصلى على ذلك الميت الذي عرف بسب الدين، أم لا يصلى عليه، وهل يورث ماله، أم يعد كافراً لا يورث. أما الفاسق فإنه يصلى عليه ويورث، بخلاف من حكم بردته، والعياذ بالله تعالى.
ختاماً، فينبغي لمن سمع أحداً يتلفظ بذلك الفجور، أن ينصحه بكل وسيلة متاحة له، مع التلطف والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة. لأن الرضا بالذنب معصية أخرى يقارن إثمها إثم فاعلها، والمولى سبحانه وتعالى نبه عباده في الكتاب العزيز ونهاهم عن الجلوس مع من يستهزئ بالله وآياته، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]. نسأل الله الهداية للجميع، ونسأله أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يوفقنا جميعاً إلى التوبة النصوح، ونستغفر الله ونتوب إليه من كل لفظ قلناه في خلأ أو ملأ مما لا يرضيه، اللهم تب علينا، ووفقنا للأعمال الصالحة، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
الهوامش:
1- صحيح البخاري: حديث رقم 48؛ صحيح مسلم: حديث رقم 116.
2- النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين: 10/ 64.
3- الشبراملسي، حاشية على نهاية المحتاج: 7/ 416.
4- الهيتمي، الإعلام بقواطع الإسلام: ص 145.
5- موقع دار الإفتاء المصرية، على الرابط: ما حكم سب الدين؟ وما جزاء مَن يفعل ذلك؟
[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب
هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م
نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة
وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول
من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي، بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)