هل يوجد اتفاق بين الماتريدية والأشاعرة أم يوجد خلاف؟

يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني

السؤال

هل يوجد اتفاق بين الماتريدية والأشاعرة أم يوجد خلاف؟

الجواب

 أخي السائل ثبتنا الله وإياكم على عقيدة أهل الحق،

توافق الماتريدية والأشاعرة على قضايا أساسية في أصول العقائد التي يجب على المسلم والمسلمة أن يؤمنا بها. وتعد بمثابة الخطوط العريضة للعقيدة الإسلامية، وهي:

 1- الإيمان بأن الله واحد في ذاته وفي صفاته وأفعاله، وأنه قديم وباقٍ وأنه خلق العالم من العدم، وأنه يتصف بصفات قديمة كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصروالكلام، وأنه منزه عن التجسيم ومشابهة المخلوقات، ومنزه عن الزمان والمكان، وأنه خلق العرش والكرسي إظهاراً لقدرته لا لحاجة إليهما وهو مستغن عنهما ، وكان الله ولا مكان وهو الآن على ماعليه كان، ويفعل ما يشاء وما شاء الله كان وما لم يشألم يكن.

2- الإيمان: بالملائكة الكرام البررة المعصومين وهم يفعلون ما يؤمرون.

3- الإيمان: بالكتب المنزلة وأن القرآن كلام الله غير مخلوق.

4- الإيمان بجميع الأنبياء والرسل، وأنهم نجباء ومعصومون ومأمنون على شرع الله، مؤيدون بالمعجزات، وأن الله أوحى إليهما بفضله، وأن محمداً عبده ورسوله ولا نبي بعده، وأنه أسري وأعرج به بروحه وجسده في اليقظة إلى السماء إلى حيث شاء ربُّنا -جلّ جلاله-.

 5- الإيمان بعذاب القبر، والبعث والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب والصراط والميزان والحوض والجنة والنار وأنهما مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان أبداً، وبأن الله يغفرالذنوب لمن شاء دون الشرك والكفر، وبأن أهل الكبائر لا يخلدون في النار ومن ثم يبعثهم الله جنتَه، وبأن أهل القبلة ليسوا كفاراً ولوأذنبوا، وأنهم مؤمنون مسلمون مادموا معترفين ومصدقين بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وبأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بلا كيف ولا إحاطة .

6- الإيمان بالقدر من الله تعالى خيره وشره والإيمان باللوح والقلم وبجميع مافيه كَتَب، وبأن الإنسان مختار بكسبه ليس مجبراً، وأن الله يخلق أفعال العباد، وأن الله يخلق المسبَّبات عند وجود السبب إذا شاء.

 أجملت لك أيها السائل ما اتفق عليه الماتريدية والأشاعرة، وهذا يعتبرعقيدة أهل السنة والجماعة مما لا يختلف عليها أحد منهم لما ورد ذلك في نصوص ثابتة لا مجال للاجتهاد فيها، ويوجد تفاصيل أخرى أجمعوا عليها لم نسردها هنا لأن المقام لا يناسب الإطالة.

وهناك مساحة اجتهادية وقع الاختلاف فيها بين الماتريدية والأشاعرة في المسائل العَقَدية التفصيلية التي تتفرع عن المجملات التي ذكرناها، ويغوص في ذلك طلبة العلم الشرعي والمتخصصون في علم أصول الدين، لأن بحثها لا يحتاجها إليه عامة المؤمنين.

وأذكر لك مسألتين حتى تتضح لك الصورة كيف تكون المسائل الخلافية بين الماتريدية والأشاعرة؟

 المسألة الأولى:

السعادة والشقاوة:

فالسعادة هي الإيمان، والشقاوة هي الكفر

 ذهبت الماتريدية إلى أن مفهومي السعادة والشقاوة تكونان في الحال، بمعنى أن السعيد: هو المؤمن في الحال، ولو مات على الكفر، فإنه انقلب شقياً بعد أنْ كان سعيداً. وبمعنى أن الشقي: هو الكافر في الحال ولو مات على الإيمان فإنه انقلب سعيداً.

 وذهبت الأشاعرة إلى أن مفهومي السعادة والشقاوة تكونان في المآل أي عند الموت. بمعنى أن السعيد: هو من مات على الإيمان. وبمعنى أن الشقي:هو من مات على الكفر، وبذلك يكون السعيد عندهم سعيداً في الأزل والشقي شقياً في الأزل، ولا يتبدل السعيد شقياً أو الشقي سعيداً باعتبار تعلق علم الله تعالى أزلاً بهما. [ ينظر: الباجوري، شرح الجوهرة]

ويترتب على ذلك أنه لا يصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله على قول الماتريدية، لأن السعادة إيمان حالي وهو حاصل بالفعل فلايكون يكون هناك تعليق. ويصح أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله على قول الأشاعرة، لأن السعادة مستقبلية فيصح تعليقها.

المسألة الثانية:

هل معرفة الله واجبة بالشرع أو بالعقل؟

 ذهبت الماتريدية إلى أن معرفة الله تعالى واجبة بالعقل، وأن الله تعالى لو لم يبعث للناس رسولاً لوجب عليهم بعقولهم معرفة وجوده تعالى ووحدته واتصافه بما يليق من الصفات، وأنه مُوجِدٌ العالمَ وصانعُه، ومن لم تبلغه الدعوة يكون مكلفاً ولا يعذربذلك .

  وذهبت الأشاعرة إلى أن معرفة الله تعالى واجبة بالشرع، وأن الله تعالى لولم يبعث رسولاً لا يكون مكلفاً بالإيمان بالله تعالى، ومن لم تبلغه الدعوة يكون معذوراً بذلك. [ينظر: الباجوري، شرح جوهرة التوحيد]

 يترتب على هذا الخلاف أثر شرعي، وتطبيق ذلك في عصرنا، من لم تبلغه الدعوة الإسلامية -أي: الإسلام- في بعض المناطق الأفريقية التي تسمى مجاهل أفريقيا مثلاً، فعند الماتريدية يعتبرونهم مكلفين بالإيمان بالله تعالى، فإذا مات أحدهم ولم يؤمن بعقله مات كافراً ويعذب يوم القيامة، وأما الأشاعرة فلا يعتبرونهم مكلفين بل هم معذورون ولا يعذبون يوم القيامة.

أخي السائل أنصحك عند الغوص في هذه المسائل للتفرقة بين الماتريدية والأشاعرة لابد من التحقق في دراسة علم التوحيد والتدقيق والفهم السليم والقراءة عند علماء محققين حتى تصل إلى رؤية ثاقبة في هذا المجال، بصّرنا الله وإياك إلى الصراط المستقيم.

المصدر:

الباجوري، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1424ه -2004 م،ص 39 و 116.

[الشيخ] الدكتور باسم عيتاني

الشيخ الدكتور باسم عيتاني هو الشيخ الدكتور باسم حسين عيتاني من مواليد بيروت – لبنان عام 1965    

حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 2005

من مشايخه: الشيخ محمد طه سكر والشيخ أديب الكلاس والشيخ ملا عبد العليم الزنكي والشيخ عبد الرحمن الشاغوري والشيخ عبد الرزاق الحلبي والشيخ د. مصطفى ديب البغا والشيخ د. وهبي الزحيلي ود. محمد الزحيلي وغيرهم رحمهم الله جميعا.

 لديه العديد من الخبرات والتخصصات العلمية و الإدارية، وقد شغل مناصب علمية وإدارية في العديد من الجهات والمؤسسات العلمية والثقافية والإسلامية الحكومية وغير الحكومية في لبنان وخارجه من ذلك

 SeekersGuidance – عضو في اللجنة العلمية في مؤسسة

 التعليم المفتوح عبر الإنترنت حتى الآن

عميد كلية الدعوة الجامعية للدراسات الإسلامية – الدراسات العليا عام 2021-2020

مدير دار إقرأ للعلوم الإسلامية 1998- 2018

مدرس للعديد من المواد و المناهج العلمية في الفقه و الأصول و العقيدة و التفسير .. ومناقش و مشرف على العديد من الرسائل

والاطاريح العلمية في الماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات و الكليات في لبنان له مؤلفات وأبحاث  في مجال العلوم الإسلامية

أقوال الإمام زفر المعتمدة في المذهب الحنفي – الاجتهاد الجماعي سمو فكري في القرن 21 – العرف وأثره في الفقه الإسلامي 

المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل لبنان وخارجه