هل يمكن أخذ العلم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وما مدى خطورة هذا الأمر؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل يمكن أخذ العلم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي و ما مدى خطورة هذا الأمر؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛
      يمكن طلب العلم وتلقِّيه عن (أهله)، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التعليم عن بعد الموثوقة والمشهود لها من علماء الأمة..

      أما أخذ العلم أو المعلومات عن غير أهلها، من هنا وهناك، ومن كثيرٍ ممن يتصدرون الآن وسائل التواصل أو القنوات أو التطبيقات بدون حسيب ولا رقيب، وليس لهم حظ أو نصيب من العلم أوالفهم… فهذا بلا شك لا يجوز، لما فيه من خطر وضرر على الشباب وغيرهم في دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم، وفي حياتهم المجتمعية كذلك.. ولعله هذا هو مقصد السائل من السؤال والله أعلم.

التفصيل والبيان:

      في ظل التخبط الفكري وضياع التخصص العلمي وعدم التثبت أو الصحة في النقل الشرعي في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كثر الوعاظ والمفتون والمفتونون بعلمهم، وراح كل من هب ودب يدلي بدلوه ويتكلم برأيه فيما يعلم وفيما لا يعلم؛ أصبح لزاماً علينا تنبيه شبابنا وتحذيرهم -أولاً- من التأثر بما يُطرح هنا وهناك، وثانياً دلالتهم وتوجيههم إلى المراجع الحقيقية التي يُؤخذ عنها هذا العلم الذي هو “دين”، فهذا هو محور الإجابة عن هذا السؤال

      – ولكن قبل مناقشة هذا الموضوع المهم والخطير لا بد – أولاً – من الكلام عن أهمية طلب العلم في الإسلام ومسالك تحصيله، وبيان مكانته وفضله وفضل العلماء العاملين الصادقين، والنصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصى، ولكن سأذكر حديثاً واحداً جمع كثيراً من هذه المعاني.
فعن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَطلُبُ فِيهِ عِلمًا، سَلَكَ اللهُ به طَريقًا من طرُقِ الجنَّةِ، والمَلائكةُ تَضَعُ أَجنِحَتَهَا رِضًا لِطَالبِ العَلمِ، وإنّ العالِمَ ليستغفرُ له مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرضِ، والِحيتَانُ في الماءِ، وفَضلُ العَالِمِ على العَابدِ كفَضلِ القَمرِ لَيلةَ البَدرِ عَلى سَائرِ الكَواكبِ، إنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا، وأَوْرَثُوا العِلمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (1) [سنن أبي داود والترمذي].

      وثانياً: لابد من التركيز على قضية الإسناد، أي أخذ العلم عن أهله من أصحاب السند المتصل، و هذا من أعظم المزايا التي اختص الله تعالى بها هذه الأمة.

      وقد عبر الإمام مسلم في صحيحه عن هذا المعنى وأهميته، فوضع باباً كاملاً بعنوان “باب بيان أن الإسناد من الدين”، ثم ذكر سنده في هذا القول. فقال: “وحدثني ‌محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو، قال: سمعت ‌عبدان بن عثمان يقول: سمعت ‌عبد الله بن المبارك يقول: “الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء” (2) [صحيح مسلم]

– وهنا لا بد لنا أن نؤكّد على أن هذا العلم الشريف إنما هو دين، كما أن الإسناد فيه دين، وكل ما يرتبط به فهو دين، ومن هنا ندرك أهمية وخطورة تحري المصادر التي يؤخذ عنها.

يروي الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن ‌محمد بن سيرين أنه قال: “إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم” (3) [صحيح مسلم].

– ولذلك ورد التحذير الشديد من النبي صلى الله عليه و سلم من الاستماع إلى أولئك الذين يحدثون بكل ما يسمعون و الذين يأتون بالغرائب والعجائب في حديثهم
فعن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (4) [صحيح مسلم]

وعن ‌أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» وفي رواية: « يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» (5) [صحيح مسلم].

– فليس كل ما يسمع يقال، وليس كل ما يقال يسمع، وأقول: ليس كل ما يُنشر عبر هذه الوسائل يُنقل، ولا كل ما يُنقل يُنشر، وهذه مسؤولية وسيُسأل عنها صاحبها يوم القيامة، فالحذر الحذر!!

وروى مسلم في صحيحه عن ‌مجاهد أنه قال: “جاء بشيرٌ العَدَوِيُّ إلى ‌ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن – لا يستمع – لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرّةً إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابْتَدَرَتْهُ أبصارُنا، وأصْغَينا إليه بآذاننا، فلما رَكِبَ الناسُ الصَّعبَ والذَّلُولَ لم نأخذ مِنَ الناسِ إلا ما نعرف” (6) [صحيح مسلم].

      – و حسبنا في بيان خطورة تلقي العلم من غير مصادره وعن غير أهله، أن نذكر أهم الآثار والنتائج المترتبة على ذلك غالباً، وهي:

  1. عدم وجود منهجية وتأصيل علمي صحيح.
  2. التشتت والضعف العلمي وعدم الانضباط المعرفي.
  3. تسفيه أهل العلم الحقيقيين والتقليل من شأنهم ومنهجهم ونتاجهم العلمي وما قدموه للأمة، وهذا قد يؤدي إلى التشكيك بالثوابت وضرب المُسلّمات الدينية في العقيدة أو في القرآن الكريم أو في السنة الشريفة، كما نرى الآن من التشكيك مثلاً بروايات سيدنا أبي هريرة أو التشكيك في صحيح البخاري ومسلم أو الإمام النووي أو غير ذلك؟
  4. التعصب الأعمى والتطرف الفكري وتفريق الأمة.
  5. التصدر في المجالس والتكلم قبل التمكن.
  6. التناقض بين القول والفعل، وبين العلم والعمل به.
 وبناءً على ما سبق:
      اعلم أخي الشاب أن هذا العلم الشريف إنما هو دينك، ولا يُؤخذ إلا عن مصدر واحد فقط !! وهو الرجوع إلى العلماء الموثوقين والمشايخ الربانيين المتخصصين، المجازين بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك عبر طرق ووسائل كثيرة، منها – بعد إخلاص النية لله تعالى -:
  • الحضور بين أيدي المشايخ وقراءة العلوم والكتب عليهم في المساجد أو المدارس أو المعاهد أو الجامعات والكليات الشرعية المعروفة أو في غيرها من الأماكن…
  • الحضور والمتابعة عبر منصات التعلم والتعليم الموثوقة التي تسير وفق منهج علمي منضبط، والمشهود لها عند العلماء.
    ومن خير الأمثلة على ذلك مؤسسة seekersguidance العالمية والعربية للعلوم الشرعية.

وفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي ، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.



الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن أبي داود (3641)، وسنن الترمذي (3683) وغيرهم من أصحاب السنن.
[2] صحيح مسلم: 1/ 12، الطبعة التركية.
[3] صحيح مسلم (7) ،1/ 11.
[4] صحيح مسلم (5)، 1/ 8.
[5] صحيح مسلم (6)، 1/ 9.
[6] صحيح مسلم (7)، 1/ 10.