هل يجيب الله دعاء الكافر ؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

هل يجيب الله دعاء الكافر ؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

الدعاء عبادة ، و هي غير متأتية من الكافر و لا تقبل منه ، و لكن الله تعالى قد يجيب دعاء الكافر في الدنيا في مقابل أعماله الحسنة، أو استدراجاً له، أو من باب استجابة دعاء المظلوم إذا كان مظلوماً، و هذا مذهب جمهور العلماء كما دلَّت عليه كثير من الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و الله أعلم.

التفصيل و البيان

«الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ». كما قال صلى الله عليه و سلم (1)، و العبادة لا تتأتَّى من الكافر و لا تُقبل منه.
وقبل ذكر أقوال العلماء في المسألة، سنستعرض النصوص الشرعية من القرآن والسنة الواردة فيها:

– يقول الله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ ﴾ [الرعد:14]
فالمعنى المراد من الآية – كما يقول المفسرون- : ” هذا مثل ضربه الله ؛ أي هذا الذي يدعو من دون الله هذا الوثنَ وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبدًا ، كمثل الذي بسط ذارعيه إلى الماء ليبلغ فاه، ولا يبلغ فاه ولا يصل إليه ذلك حتى يموت عطشًا.”(2)

– و يقول تعالى: ﴿ لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ *وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [فصلت:49-50]
ومعناه : لا يمل الكافر بالله من دعاء الخير، أي: المال وصحة الجسم. (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ): فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ … }، أي : ولئن كشفنا عن هذا الكافر ما أصابه من سقم في نفسه وضرّ وشدّة … (لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي) عند الله، لأن الله راض عني برضاه عملي، . فيرد الله عليه بقوله : ( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) (3)

– و يقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس:12]
معناه: وإذا أصاب الإنسان الشدة والجهد ﴿دعانا لجنبه﴾ ، استغاث بنا في كشف ذلك عنه … ﴿فلما كشفنا عنه ضره؛ (مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه)، أي: استمرَّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر ، وترك الشكر لربه ..، وعاد للشرك ودَعوى الآلهةِ والأوثانِ أربابًا معه.(4)

فهذه الآيات واضحة في استجابة الله تعالى لدعاء الكافرين.

وعن أنس – رضي الله عنه – عن رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إنّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً، أُطعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا المُؤْمِنُ فَإنَّ الله تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ». وفي رواية: « وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أفْضَى إِلَى الآخرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». رواه مسلم. (5)

و لذلك فرَّق العلماء بين الدعاء الذي هو عبادة و يُثاب عليها المؤمن، و بين الدعاء بمعنى إيتاء المسؤول أي تحقيق المطلوب؛ فهذا يحصل للمؤمن و لغير المؤمن

و على هذا فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ الله تعالى يجيب دعاء الكافر في الدنيا من باب الاستدراج له أو في مقابل ما عمله من أعمال حسنة.(6)

و هذه بعض النصوص في المسألة:

يقول البجيرمي في حاشيته على الخطيب: ” قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُجِيبُهُمْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ يُجَابُ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ، … فَرْعٌ: فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْكَافِرِ خِلَافٌ، قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} ، وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مُسْتَجَابٌ وَقَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَةُ إبْلِيسَ فِي قَوْلِهِ: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: ١٤] . وَوَاضِحٌ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى إيتَاءِ الْمَسْئُولِ، وَحِينَئِذٍ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَى سُؤَالُهُ اسْتِدْرَاجًا، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ لِإِبْلِيسَ. أَمَّا الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى، الْإِثَابَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ مَنْفِيَّةٌ جَزْمًا، وَهَذَا مَحْمَلُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.”(7)

و سُئِلَ الإمام الرملي عَنْ دُعَاءِ الْكَافِرِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا هَلْ يُسْتَجَابُ مِنْهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ كَمَا اُسْتُجِيبَ لِإِبْلِيسَ دُعَاؤُهُ بِالْإِنْظَارِ.(8)

يقول الدكتور وهبة الزحيلي :” وقال الجمهور: لا يُمنع أهل الذمة من الخروج مع المسلمين [أي للاستسقاء]، … ولا يؤمن على دعائهم؛ لأن دعاء الكافر غير مقبول. وكونهم لا يُمنعون من الحضور؛ لأنهم يسترزقون ويطلبون أرزاقهم من ربهم، وفضل الله واسع، وقد يجيبهم الله تعالى استدراجاً، وطعمة في الدنيا، قال تعالى: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} ،والله ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.” (9)

و ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستجاب دعاء الكافر، و استدلوا بظاهر اللفظ لكلمة “الدعاء” في قوله تعالى: ﴿وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾
يقول الحكيم الترمذي في كتابه الأمثال : ” وَمثل الْكَافِر إِذا دَعَا: كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه أَي لَا يُسْتَجَاب دُعَاء الْكَافِر كَمَا لَا يبلغ المَاء الَّذِي بسط كفيه لقَوْله تَعَالَى : {وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} ، أَي إِلَّا فِي بَاطِل .(10)
و هذا التفسير مخالف لما أورده المفسرون و بالتالي لا يمكن الاستدلال بالآية هنا

يقول ابن باديس: ” وبينت أن المراد من دعاء الكافرين عبادتهم ودعاؤهم لطواغيتهم، وأما دعاء الكافر إذا كان مظلوماً فإنها مستجابة كدعوة كل مظلوم لأن الله تعالى حرم الظلم من كل أحد على أي أحد.” (11)

والخلاصة؛ توضحها لنا هذه الآيات الكريمة من سورة الإسراء :

يقول تعالى : ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18-20]
فالله تعالى يعطي و يُمدُّ -في الدنيا- من يحب و من لا يحب ، المؤمن و الكافر، و أما الآخرة فلا يعطيها إلا لمن يحب و هو المؤمن، اللهم اجعلنا من أهل المحبة و الإيمان و من أصحاب الجنان ،
و الله أعلم.

المراجع و المصادر :

  1. سنن الترمذي: رقم الحديث (2969) وقال: «حديث حسن صحيح»، و سنن أبي داود : رقم الحديث (1479).
  2. ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)،المؤلف: أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ – ٣١٠هـ)، دار التربية والتراث – مكة المكرمة ، [16\401]
  3. تفسير الطبري : [12\490]
  4. تفسير الطبري : [15\36]
  5. صحيح مسلم : رقم (2808)، [8\135]
  6. ينظر المراجع التالية:
    فتح العزيز بشرح الوجيز: للرافعي (ت ٦٢٣هـ)، دار الفكر ، [5\95]
    التلخيص الحبير: لابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢هـ) الطبعة: الأولى، [3\133]
    حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (ت ١٢٣١ هـ)
    دار الكتب العلمية بيروت ، الطبعة: الأولى ، صفحة (554)
    حاشية رد المحتار، على الدر المختار: محمد أمين، الشهير بابن عابدين [ت ١٢٥٢ هـ]، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية ، [2\185]
  7. تحفة الحبيب على شرح الخطيب، المعروف بحاشية البجيرمي : المؤلف: سليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ (ت ١٢٢١هـ)، دار الفكر، [2\241]
  8. فتاوى الرملي : المؤلف: شهاب الدين أحمد بن حمزة الأنصاري الرملي الشافعي (ت ٩٥٧هـ)
    جمعها ابنه، شمس الدين محمد (ت ١٠٠٤هـ)، الناشر: المكتبة الإسلامية، [2\31]
  9. الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ : د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، دار الفكر دمشق، الطبعة4، [2\445]
  10. كتاب الأمثال من الكتاب والسنة: المؤلف: محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، الحكيم الترمذي (ت نحو ٣٢٠هـ) و هو غير الإمام الترمذي صاحب السنن، الناشر: دار ابن زيدون / دار أسامة – بيروت – دمشق صفحة (31)
  11. كتاب آثاَرُ ابْنُ بَادِيسَ : المؤلف: عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي (ت ١٣٥٩هـ)
    الناشر: دار ومكتبة الشركة الجزائرية، الطبعة: الأولى ،[4\304]

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ