هل يجوز شراء منزل بالقروض الربوية عند الضرورة؟

 يجيب عن السؤال الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يجوز شراء منزل بالقروض الربوية عند الضرورة؟

الجواب

بسم الله والحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد؛ فإن الإسلام حرم الربا تحريماً قاطعاً، وحذرت منه آيات الكتاب العزيز، وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون} [البقرة: 278-279]. وعن جابر رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء، أخرجه مسلم(1).

فهذا حكم أكل الربا والطرق الموصلة إليه. ومع تغير الزمان، وازدياد حاجات الناس، واختلاف معايشهم، أخذ الشيطان يمد حبائله، ويفتل غواربه للناس، فيزين لهم الحرام في معرض الحاجة، وقد يضعف المسلم أمام مغريات الحياة فيقع في المحظور الشرعي، نسأل الله العافية والسلامة.

وشراء المنازل الأصل أنه ليس من الضروريات، لأن الإنسان يستطيع أن يسكن في بيت بالكراء (الإيجار) وهذا حال أكثر الناس قديماً وحديثاً، ولا سيما في المدن الكبرى، حيث تتوافر الوحدات السكنية بقيم متفاوتة تكون في متناول الناس على اختلاف أحوالهم. فإذا كان الأمر كذلك، فما الداعي للمسلم إلى اقتحام غمار المحرمات، والدخول في مضايق الأمور.

نعم، هناك فئة من المسلمين ذهبوا إلى أنه إذا بلغ الأمرُ حد الضرورة، وترتب على أخذ القرض بقاء حياة المقترض وعدمها عند عدمه، فهنا تأتي قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات). قال الإمام الزركشي: “الضرورة : بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل ، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات ، أو تلف منه عضو ، وهذا يبيح تناول المحرم .والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرَّم”(2). ومثل الضرورة الإكراه. والأصل فيها قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
وجاء في فتوى (مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة) في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385هـ/ مايو 1965م، ما نصه: “والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي (الاستغلالي). وكثير الربا في ذلك وقليله حرامٌ، والإقراض بالربا محرم، لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا كذلك، ولا يرتفع إثمُه إلا إذا دعت إليه ضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة” انتهى .وجاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية): “يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة ، “فيأثم المقرض دون المقترض”(3).

مع التنبيه: إلى أنه قد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا، فجعلوا شراء بيتٍ ، أو سيارة ، أو تغيير أثاث البيت ، أو شراء جهاز خلوي (موبايل) من الضرورات، وهي ليست كذلك، وللأسف فهناك من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء !وذلك لخلل ناتج عن فهم ماهية الضرورة، مع أن الشريعة الإسلامية لديها بدائل كثيرة، منها: القرض الحسن، أي الاستدانة من شخص دون ربا، ومنها: شراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً، على تفصيل في صور تلك المعاملات يعلم من موضعه.

وفي بلاد الغرب، تكثر هذه الحالات، ويزداد السؤال والإلحاح على إيجاد حلول لهذه الظاهرة، من المفيد للسائل أن يعلم أن هناك فتوى صدرت في سنة 1420هـ/ 1999م، عن كل من (المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث)، و(مؤتمر رابطة علماء الشريعة بأمريكا الشمالية)، تبيح للمسلمين المقيمين بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية الاقتراض بالربا لشراء مساكن.

تلك الفتوى، تصدى للرد عليها علماء وهيئات إسلامية أخرى، وصدر قرار ينقض تلك الفتوى ويبطلها، عن (مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي) في الدورة العادية الرابعة للمجلس إيرلندا، بتاريخ شهر رجب 1420هـ/ أكتوبر 1999م، وختم القرار بما نصه: “إن الموقعين على هذه المخالفة العلمية يرون أن شراء البيوت بقروض ربوية في أوروبا لا تدعو إليه الضرورة، ولا تدفع حاجة تنزل منزلة الضرورة، ويرون أن هذه الطريقة محرمة شرعًا، ولا يصح الإقدام عليها إلا إذا لم يجد الإنسان بيتًا يسكنه ولو عن طريق الإيجار المناسب، وليس لديه مال يشتري به ذلك المسكن، أو لم يجد من يقرضه قرضًا حسنًا، أو لم يجد وسيلة شرعية أخرى تعينه على الشراء؛ كبيع المرابحة الذي تكون فيه الزيادة في الثمن مقابل الزيادة في الأجل، وأن لا يتجاوز المسكن الذي يشتريه حدود الحاجة، كأن تكون غرفه ومرافقه أكثر مما يحتاج إليه، أو يكون ذا مواصفات عالية تتطلب مبلغًا فوق الحاجة”(4).

ختاماً، يجب على المسلم الابتعاد عن مواطن الشبهات، وأن لا يتساهل في الأخذ بالرخص والفتاوى التي تبيح المحرمات، مهما كان مصدرها، وليقدم الورع وخوف الله قبل أن يقدم على ذلك، أما (المضطر) بالشروط التي تقدمت فعليه أيضاً عند الأخذ بقول من يجيز الاقتراض بالربا، أن يعلم أنه إلى جانب قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) توجد قاعدة أخرى تقول: (الضرورة تقدَّر بقدرها)، فلا يجوز للمقترض لشراء سكن أن يتوسع فيأخذ مالاً زائداً عن حاجته، ويتوسع في شراء كماليات البيت، فهذا ليس من الضرورات. كما يجب على المقترض (المضطر) أن يسارع في سداد القرض إلى البنك، ليتخلص من ازدياد الفوائد الربوية. هذا كله عند الضرورة، وإلا فالمسلم الموقن بوعد الله يصبر ويلجأ إلى الله تعالى، ويتضرع إليه في قضاء حاجته على الوجه الذي يرضيه، قال تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [الطلاق: 2-3 ]. نسأل الله تعالى للمسلمين المعونة واللطف، وعافية الدين في الدارين، والحمدلله أولا وآخراً، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
·مع التنبيه إلى أن هذا جواب مختصر، والمسألة تناولتها فتاوى وأبحاث ومؤلفات معاصرة كثيرة، والله المعين.

الهوامش:

1- مسلم، صحيح مسلم: 3/ 1219، رقم 1598

2- الزركشي، المنثور في القواعد: 2/ 319

3- الموسوعة الكويتية: 6/ 167.

4- صلاح الصاوي، وقفات هادئة مع فتوى إباحة القروض الربوية لتمويل شراء المساكن في المجتمعات الغربية، (جدة: دار الأندلس الخضراء، د.ت): ص 159-160.

[الشيخ] الدكتور محمد أبو بكر باذيب

 

هو الشيخ الدكتور محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، مواليد شبام – حضرموت 1976م

نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية .(AMU)

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…

كان مديرَ المطبوعات في دار الفقيه، ونائبَ مدير العلاقات الثقافية بجامعة الأحقاف سابقاً، ومساعدَ شؤون الموظفين في شركة عطية للحديد سابقاً، وباحثاً في مركز السنة التابع لمؤسسة دلة البرك، وباحثاً في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

وهو الآن باحث في مؤسسة الفرقان فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويشرف على القسم العربي بمعهد نور الهدى العالمي (SeekersGuidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول

من مؤلفاته: جهود فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، وإسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، وحدائق النعيم في الفقه الشافعي،  بالإضافة إلى تحقيق عدد من الكتب الفقهية والتاريخية وفي فن التراجم والأثبات (الأسانيد)