هل على الرجل دفع مهر للمرأة إذا ألغى خطبتها قبل أن يكتبوا عقدا؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض  

السؤال

هل على الرجل دفع مهر للمرأة إذا ألغى خطبتها قبل أن يكتبوا عقدا؟

الجواب

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن المهر واجب في كل نكاح لقوله تعالى:

(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء :٢4]

فقد قيد الإحلال به  ؛ إلا أن ذكر المهر في العقد ليس شرطا لصحة النكاح فيجوز إخلاء النكاح عن تسميته باتفاق الفقهاء لقوله تعالى :
(لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة :٢٣٦]  فقد حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية ؛ ولا يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح  .

وروي عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى مَاتَ ، قَالَ : فَرَدَّهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي ، أَرَى لَهَا صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا ، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ ، قَالَ : فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ : أَشْهَدُ لَقَضَيْتَ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرَوْعَ ابْنَةِ وَاشِقٍ – امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رُوَاسٍ ([1])

وصرح الشافعية والحنابلة بأنه يستحب تسمية المهر للنكاح ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخل نكاحا عنه ؛ ولأنه أدفع للخصومة  .
لكن المهر لا يستحق منه شيء شرعاً إلا بالعقد الصحيح على المرأة، وعليه فلا تستحق المرأة قبل العقد شيئا من المهر. وإذا كانت قبضته، فعليها رده كله، ما دامت قبضته باعتباره مهراً.
ليس بين أهل العلم خلاف في ذلك ؛ فإن المهر ، وما يرتبط به من أحكام ، إنما يتعلق بالنكاح ، سواء عقد عليها ودخل بها ، أو عقد عليها ولم يدخل بها ، فمع اختلاف حكم المهر في الحالين عند الفرقة ، فإن المهر إنما يتعلق بعقد النكاح ، لا بمجرد الخطبة .
ونرى الشافعية يُعرِّفون الصداق بقولهم:

(ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرًا كرضاع ورجوع شهود)([2])

 فهذه هي الحالات التي يجب فيها المهر، وليست الخطبة منها، فلا يحل للمرأة أخذه بل عليها إعادته.
وهكذا تلتقي آراء الفقهاء جميعًا عند نقطة مهمة ألا وهي:
أن المهر لا يجب إلا بعقد النكاح، وفي حال الخطبة لا يوجد عقد نكاح، فاحتفاظ المرأة بالمهر بعد عدول أحد الطرفين حيازة للمال بغير سبب مشروع؛ فلا يجب لها شيئ وعليها إعادة المال لصاحبه إن كانت قد أخذت من الخاطب شيئا   .
ومذهب الشافعية أن له الرجوع حتى في الهدايا التي قدمها ، قال القليوبي:
(فرع: دفع الخاطب بنفسه، أو وكيله، أو وليه، شيئاً من مأكول، أو مشروب، أو نقد، أو ملبوس لمخطوبته ،أو وليها، ثم حصل إعراض من الجانبين أو من أحدهما، أو موت لهما أو لأحدهما، رجع الدافع أو وراثه بجميع ما دفعه إن كان قبل العقد مطلقاً.)([3])
والحمد لله رب العالمين

 

 

([1])ابن حبان (4098) والحاكم (2753) والنسائي (5489)
([2]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي 6/336
([3]) حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح العلامة المحلي على منهاج الطالبين للشيخ محيي الدين النووي3/216