ما هي آداب الطعام و الشراب و كيف أربي أولادي على الالتزام بها دون أن أثقل عليهم؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي  

السؤال

ما هي آداب الطعام و الشراب و كيف أربي أولادي على الالتزام بها دون أن أثقل عليهم؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين و بعد :آداب الطعام و الشراب كثيرة و مهمة جداً في كل الحضارات و الشرائع، و هي بالنسبة لنا -كمسلمين- سنن و عبادة نؤجر عليها، و بالنسبة إلى غيرنا (إتيكيت) كما تسمى أو غير ذلك
و من أهم هذه الآداب و السنن التي وجهنا إليها ديننا و نبينا صلى الله عليه و سلم : مراعاة النظافة بشكل عام و خاصة غسل اليدين قبل الطعام و بعده و التسمية و النية و الجلوس بشكل جيد و احترام النعمة و الأكل و الشرب باليمنى و مما يلي و عدم الإسراف أو الإكثار أو إدخال الطعام على الطعام و شرب الماء على دفعات و الحمد لله على هذه النعمة و المحافظة عليها و عدم رمي ما زاد منها و غير ذلك من الآداب العظيمة

 

البيان و التفصيل :
إن من أعظم ما يميز هذه الشريعة العظيمة شموليتُها لجميع نواحي الحياة، و منها الأمور الاعتيادية و الحاجات الفطرية، فقد جاءت لتنظمها و لتضبطها بميزان الاعتدال و الوسطية، و لتبعدها عن الغريزية و مشابهة باقي المخلوقات، فسنت لها سنناً ، و وضعت لها آداباً و أحكاماً ، من التزم بها كانت في حقه عبادةً يؤجر عليها فـ “إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى” كما أخبر الحبيب المصطفى، صلى الله عليه و سلم، و هذا ما يميز هذه الشريعة عن غيرها من الشرائع و الثقافات و الحضارات الأخرى ..
ومن هذه الأعمال الاعتيادية والحاجات الفطرية، الطعام والشراب، فقد سنّ لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم جملةً عظيمة من الآداب وأمرنا أن نربي أولادنا عليها
و ذلك من خلال ملاطفتهم و تعليمهم -خطوة فخطوة- الآداب و السنن عامةً، و من خلال ملاحظة أفعالهم و تصرفاتهم في موضوع الطعام و الشراب خاصةً، و توجيههم إلى ما يوافق السنة فيها، كما كان يفعل ذلك صلى الله عليه و سلم مع من يأكل معه من الأطفال ،كما سنرى في الأحاديث التي سنذكرها لاحقاً.

 

 

وهذه جملة من أهم الآداب والسنن التي دعانا إليها صلى الله عليه وسلم في موضوع الطعام والشراب، سأذكرها مع أدلتها، ثم سأضع الخلاصة فيها ،وكيفية تطبيقها ،وتربية الأولاد عليها والعمل بها، إن شاء الله تعالى.
– فعن سيدنا سلمان الفارسي – رضي الله عنه – أنه قال: قرأتُ في التوراة: أن بَرَكَةَ الطَّعام الوضوءُ بعدَه، فذكرتُ ذلك للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم-، وأخبرتُه بما قرأتُ في التوراة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «بركة الطعام الوُضُوء قبلَه، والوضوء بعدَه» .(1)
والمراد بالوضوء هنا غسل اليدين

– و عن سيدنا أبي جحيفة – رضي الله عنه – قال: «كنتُ عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، فقال لرجل عنده: لا آكل مُتَّكِئاً . أو قال: وأنا مُتَّكئ »(2) أي مستنداً على وسادة أو شبه مضطجع

– و عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه : « أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشُّربِ قائماً، قال الراوي : قلنا لأنس: فالأكلُ؟ قال: ذلك أشدُّ، أَو قال شَر وأَخبثُ» (3) أخرجه مسلم
– و عن سيدنا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: «كنتُ غُلاماً في حجْرِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وكانت يَدي تطيشُ في الصحفَة، فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: يا غلامُ، سَمِّ الله، وكلْ بيمينك، وكلْ مما يَليك، فما زالتْ تلك طِعْمَتي بعدُ» متفق عليه (4)
وللترمذي وأبي داود: «أنه دخل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وعنده طعام فقال: ادْنُ يا بُنَيَّ، فَسَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» الحجر: الرعاية والتربية ، و هو ربيب رسول الله صلى الله عليه و سلم. و تطيش: تتحرك وتمتد ، الصحفة: إناء يسع ما يشبع خمسة .

– وعن سيدنا عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يأكلنَّ أحدٌ منكم بشِِمالِه، ولا يشربَنَّ بها، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشربُ بها» (5)- و عن سيدنا المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه أنه قال : سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما مَلأ آدميّ وعاء شَراً من بَطْنٍ، بِحَسْب ابن آدم لُقَيْمَات يُقِمنَ صُلْبَه، فإن كان لا مَحَالةَ: فَثُلُث لطَعَامِه، وثُلث لشرابِهِ، وثُلُث لنَفَسِه» (6)

– و عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعاماً لَعِقَ أصابِعَه الثلاثَ، وقال: إذا سقطت لُقمةُ أحدِكم فليُمِطْ عنها الأذى، وليأكلْها، ولا يدْعها للشيطان، وأمرنا أن نَسْلُتَ القَصْعةَ، وقال: فإنكم لا تدرون في أيِّ طعامكم البركةُ» (7)
و في رواية : «إن آنيةَ الطعام لَتَسْتَغْفِر للذي يَلْعَقُها ويغسلها، وتقول: أعْتَقَكَ الله من النار كما أعْتَقْتَنِي من الشيطان» ، و قوله : نسلت القصعة ، أي :نمسحها بالإصبع

– و عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تشربوا واحداً، كشُرب البعير، ولكن اشربوا مَثنى وثُلاث، وسَمُّوا الله إذا أنتم شَربتم، واحْمدوا الله إذا رَفعتم» .وفي رواية: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان إذا شَرِبَ يَتَنَفَّس نَفَسين» (8)

– وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكْلَة فيحمَدَه عليها، ويشربَ الشَّربةَ فيحمدَه عليها» (9)

 

– فيما يلي الخلاصة و الترتيب العام لآداب الطعام والشراب الواردة في الأحاديث السابقة و غيرها :

 

  • أولاً_ قبل البدء بالطعام والشراب:
1.   غسل اليدين واستحضار النية
2.   الجلوس أمام الطعام جلسة فيها أدب واحترام لهذه النعمة وعدم الاتكاء
3.   تسمية الله تعالى

 

  • ثانياً_ أثناء تناول الطعام والشراب:
1.   الأكل باليد اليمنى و بأصابعها الثلاثة -قدر الإمكان- وكذلك الشرب باليد اليمنى
2.   الأكل مما يلي من الإناء هذا إذا كانوا يأكلون من إناء واحد
3.   عدم إيذاء أو مضايقة الجالسين على المائدة بأي تصرف أو فعل
4.   عدم تناول أنواع متعددة من الطعام في الوجبة الواحدة
5.   عدم إدخال الطعام على الطعام بأن يأكلوا مرة ثانية قبل هضم الطعام الأول تماماً
6.   عدم الإكثار من الأكل لما فيه من الضرر على الجسم وتأثير على النباهة والذكاء بل ينبغي أن يكون هناك متسع للشراب وللتنفس براحة تامة
7.   إعادة تنظيف ما سقط على الأرض من الطعام إذا كان بالإمكان تنظيفها ومن ثم أكلها
8.   الحرص على بقايا الطعام في الوعاء ومسحها بالإصبع لوجود البركة فيها
9.   شرب الماء على دفعتين أو ثلاث دفعات والتنفس خارج الإناء لما في ذلك من الفائدة كما قال صلى الله عليه و سلم : “إنه أروى وأبرأ و أمرأ ” رواه البخاري

 

  • ثالثاً_ بعد الانتهاء من الطعام والشراب:
1.   لعق الأصابع ثم غسل اليدين وتنظيف الأدوات و المكان
2.   الحمد بأي صيغة والأفضل بهذه الواردة عنه صلى الله عليه و سلم : (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين) و (الحمد لله الذي أطعمني هذا و رزقنيه بغير حول مني ولا قوة)

3.   عدم الإسراف في الطعام ورمي ما بقي منه في المهملات بل أكله في وقت آخر أو التصدق به على الفقراء

بناء على ما سبق :
بداية أشكر لك أخي السائل هذا الاهتمام و الحرص على القيام بحق المسؤولية تجاه أولادك
ثانياً – يمكن تربية أبنائنا على التمسك بهذه الآداب من خلال وضع برنامج أسبوعي، كأن نعرض عليهم في كل أسبوع حديثاً أو سنةً من سنن الطعام و الشراب، و ندربهم على تطبيقها على مدار أسبوع كامل، و هكذا في كل أسبو ع حديث أو سنة .. حتى إذا ما اكتملت هذه الآداب و السنن وضعنا خلاصة هذه الآدب في ورقة، و وضعناها في مكان بارز في غرفة الطعام، ليتذكرها الأولاد و يعملوا بها دائماً ، و الله أعلم


المصادر و المراجع :


1- رواه الترمذي : [1769] ، و أبو داود : [3269]
2- صحيح البخاري : رقم [4979]
3- صحيح مسلم : رقم  [3772]
4- رواه البخاري : رقم [4957] ،  ومسلم : رقم [3767]
5- رواه مسلم : برقم [3765] ،  والترمذي : برقم [1721]
6-  رواه الترمذي : برقم  [2302]، وابن ماجه: برقم [334]
7- رواه مسلم : برقم [3795] ،  والترمذي : برقم [1725]
8- رواه الترمذي : برقم [1807]
9- رواه مسلم: برقم [4915]،  و الترمذي : برقم [1738]