ما هو دور الشباب في محاربة الفقر والجوع؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي  

السؤال

ما هو دور الشباب في محاربة الفقر والجوع؟

الجواب

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:

للعمل و الكسب مكانة عظيمة و أهمية كبيرة في الإسلام؛ لما له من أثر في كفاية الفرد و المجتمع و وقايته من الفقر و الجوع ؛و لذلك دعا إليه و شجع عليه، و جعله عبادة من أعظم العبادات

و هذه الكفاية المجتمعية هي مسؤولية مشتركة لكل فئات المجتمع ،ابتداءً من الأهل و أولياء الأمور ثم الجهات و المؤسسات الرسمية و غير الرسمية، بالإضافة إلى الشباب فهم أهم الفئات  التي تقع عليها المسؤولية الأكبر في كفاية المجتمع و القضاء على الفقر و الجوع، و يتلخص دورهم في ثلاث مراحل و هي : مرحلة الاستعداد (الأخلاقي و العلمي و العملي) ، و مرحلة العمل و الإنتاج، و مرحلة الإنفاق و العطاء ، و قد أطلق النبي صلى الله عليه و سلم شعاراً عظيماً و أقرَّ مبدأ مهماً سبق به كل التشريعات و الشعارات الوضعية العالمية في مكافحة الفقر و الجوع فقال :” اليد العليا خير من اليد السفلى” و الله أعلم

البيان و التفصيل :

دعا الإسلام إلى الكسب و السعي في الأرض و العمل و محاربة الكسل و الفقر و البخل ،و التعوذ منهم، فقال الله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].

و عن سيدنا أبي هريرة – رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- قال:

«اللَّهمَّ إِني أَعوذ بك من الفقر، والقِلَّة، والذِّلة، وأعوذ بكَ من أَن أَظْلِمَ، أَو أُظْلَمَ» (1).

و عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: أنه قال: كانَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.» متفق عليه(2)

و عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» رواه البخاري.(3)

و كان نبينا صلى الله عليه و سلم و كذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام من قبله، كانوا يكتسبون و يعملون ؛ فآدم كان مزارعاً؛ ونوح كان نَّجاراً، وداود كان يصنع الدروع، وزكريَّا كان نجَّاراً، ونبينا رعى الغنم و عمل بالتجارة ، و كذلك كان الصحابة الكرام كانت لهم أعمالهم و تجارتهم؛ فسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان بزَّازًا (يبيع الثياب)، وعمر يعمل في الأديم (الجلود)، وعثمان كان تاجراً يجلب الطعام فيبيعه، وعلي كان يكتسب فقد صحَّ أنَّه كان يؤاجر نفسه رضي الله عنهم جميعاً

– و من أهم الأحاديث التي توضح منهج الإسلام و دعوته للعمل و الاكتساب و ترك الطلب من الناس و الاتكال عليهم :

ما رواه الزُّبَيْر بْن الْعَوَّامِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم أنه قَالَ:

«لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ.» البخاري (4)

و عن حَكِيم بْن حزَامٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.

قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا.

فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيماً إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ حَتَّى تُوُفِّيَ.»  البخاري (5) 

فالعمل و محاربة الفقر و الجوع و الكسل هو  مسؤولية المجتمع كله، بمؤسساته و فئاته و أفراده، و الشباب منهم. 

و يتلخص دور الشباب في محاربة الفقر و الجوع و القضاء عليه في ثلاث مراحل:

 

الأولى – مرحلة الاستعداد الأخلاقي و العلمي و العملي:

– فالاستعداد الأخلاقي: يكون بالتربية على الإيثار و حب الخير للغير، و ترك الأثرة والأنانية و حب الذات، و كذلك التحلي بالأخلاق التي تعين على القيام بهذا الدور  مثل : الصبر و تحمل المشاق و التواضع و الخدمة للناس و المجتمع كما ورد في ذلك كثير من الآيات و الأحاديث و منها  قوله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر 9] ، و كما في الحديث «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه(6)

– الاستعداد و الاكتساب للخبرات العلمية و العملية:

و يكون ذلك بالدراسة و التعليم ، مثل : (تعلم فنون الإدارة و المحاسبة بشكل عام و الإدارة المالية بشكل خاص، تعلم فنون التجارة و الاقتصاد، و باقي التخصصات الهندسية المتعلقة بذلك كالهندسة الزراعية و الصناعية ، و تعلم الحرف و المهن ، حركة الأسواق العالمية و العملات ، قوانين التجارة و الاستيراد و التصدير و غير ذلك) كما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام  حيث قال للعزيز :

﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف 55]

 

 الثانية – مرحلة العمل و الإنتاج :

– يكون ذلك بالنزول إلى الميدان و المشاركة في الأعمال و الإنتاج ، و التعرف على الواقع و الاطلاع على احتياجات المجتمع و مكامن النقص و العجز لتعزيزها و سدها

 – و يكون كذلك بالمبادرة إلى إنشاء الحملات الخيرية ، و الأعمال التطوعية، و الدعوة إليها .

 و كذلك المشاركة فيها و التعاون مع المؤسسات أو الجهات الأخرى التي تدعو إليها

 

الثالثة – مرحلة العطاء و الإنفاق :

 

  • 1 – على النفس و من هو مسؤول عنهم : 

فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ : مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِيَّ جَلْدَةَ وَنَشَاطَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعُفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».(7) 

 

  • 2 – الانفاق و البذل في وجوه الخير :

و الأحاديث في ذلك كثيرة جداً، و لكن حسبنا هذا المبدأ العظيم الذي أطلقه صلى الله عليه و سلم في حديث حكيم -كما مر معنا- عندما قال : “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.” فالعليا: هي اليد المنتجة المنفقة المعطية، و أما السفلى فهي : اليد المستهلكة الآخذة.

 

بناء على ما سبق :

فإن هذا الموضوع من أهم المواضيع المجتمعية التي يتحمل مسؤوليتها جهاتٌ كثيرة، و لكل جهة دورها ، و لذلك فإني أتوجه بالدعوة والوصية :

أولاً – إلى أولياء الأمور : بتربية و تدريب الأولاد منذ الصغر على العمل و الكسب الطيب ،و على حب الخير للغير  (لكل أفراد المجتمع و فئاته ) و التعاون عليه، و غير ذلك من الأخلاق المجتمعية ،و ربط كل ذلك بالعبادة و تشجيعهم على ذلك بالمكافآت و وسائل التعزيز المناسبة  

و ثانياً – إلى الشباب :  باستغلال و استثمار أوقاتهم و قواتهم و طاقاتهم في زيادة خبراتهم في تخصصاتهم و زيادة إنتاجهم و خدمة أمتهم و مساعدة مجتمعهم .

 و ثالثاً – إلى المؤسسات العامة و الخاصة و الحكومات و الجهات المسؤولة : بتأهيل الشباب و توجيههم و تجهيزهم لسوق العمل، ثم توفير فرص عمل مناسبة لهم و الحد من البطالة و أسبابها. و الله أعلم

 

 

 

المصادر و المراجع :

1-أخرجه أبو داود رقم (1544).و النسائي [8\262]

2- صحيح البخاري : [8\79] رقم (6363) ، و صحيح مسلم :  رقم (2706)

3- صحيح البخاري : [3\74] رقم (2072) 

4- صحيح البخاري : [2\123] رقم (1471)

5- صحيح البخاري : [2\123] رقم (1472)

6- صحيح البخاري : [1\10] رقم (13) ، و صحيح مسلم : [1\49] رقم (45) .

7- مجمع الزوائد للهيثمي: رقم ( 7709)،[4\325]، و البيهقي في شعب الإيمان: رقم (7853)  ،[6\185]