ما هو تفسير الآية: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هو تفسير الآية:  إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً

الجواب

الحمد لله، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه، و بعد:قوله تبارك و تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾، هو جزءٌ أو جملةٌ من آيةٍ عظيمةٍ وردت في سورة النساء في الآية(36) ، و معناها -و الله أعلم-أي : إن الله لا يحب من كان ذا خُيَلاء و كِبْرٍ، أَيْ: مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ، مُعْجَبًا بها، مُتَكَبِّرًا على الناس. فهذا معنى قوله تعالى: ﴿ مُخْتَالاً ﴾
وأما ﴿فَخُورًا﴾: فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله و إنعامه، فيرَى نفسه أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض. و العياذ بالله.

التفصيل والبيان:

جاءت هذه الجملة القرآنية  ضمن آية في سورة النساء، يقول تعالى : ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا وبِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ والجارِ ذِي القُرْبى والجارِ الجُنُبِ والصّاحِبِ بِالجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ وما مَلَكَتْ أيْمانُكم إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالًا فَخُورًا﴾ . [النساء 36]و جاءت بلفظ آخر في سورة لقمان، يقول تعالى: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان 18]، و في سورة الحديد: ﴿لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد 23]

و كلها تدور حول معنى واحدٍ و هو : أنَّ الله لا يحبّ كلّ متكبرٍ بما أوتي من نِعَمِ الدنيا، فخورٍ بها على الناس.

و لتفسير هذه الجملة القرآنية بشكلٍ مفصَّلٍ أكثر؛ لابد من ذكر السياق العام الذي جاءت فيه، و لذلك سنذكر الآيات التي وردت قبلها و بعدها؛ ليتضح لنا المعنى إن شاء الله ، يقول تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا وبِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ والجارِ ذِي القُرْبى والجارِ الجُنُبِ والصّاحِبِ بِالجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ وما مَلَكَتْ أيْمانُكم إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالًا فَخُورًا﴾ . [النساء 36] ثم قال تعالى بعدها مباشرةً: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ ويَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مَن فَضْلِهِ وأعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا ۝٣٧والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم رِئاءَ النّاسِ ولا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ ومَن يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِينًا فَساءَ قَرِينًا ۝٣٨﴾

يقو ل المفسرون -و منهم الإمام الطبري و ابن كثير -(1):
يعني بقوله جلَ ثناؤه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً ﴾، أي : إن الله لا يحب من كان ذا خُيَلاء و كِبْرٍ، أَيْ: مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ، مُعْجَبًا بها، مُتَكَبِّرًا على الناس
وأما ﴿فَخُورًا﴾: فهو المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله و إنعامه، فيرَى نفسه أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض.
قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُخْتَالاً﴾ يَعْنِي: مُتَكَبِّرًا. ﴿فَخُورًا﴾ يَعْنِي: يَعُدُّ مَا أُعْطِيَ، وَهُوَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. يَعْنِي: يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ نِعَمِهِ، وَهُوَ قَلِيلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.

و عن يَزِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير قَالَ: قَالَ مُطَرِّف: كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ كُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَهُ، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم حَدَّثَكُمْ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً ويُبْغض ثَلَاثَةً”؟ قَالَ: أَجَلْ، فَلَا إِخَالُنِي(تحسبني أو تجدني) أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي. قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُ اللَّهُ؟ قَالَ: الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ، أَوَلَيْسَ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؟ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا﴾ [النِّسَاءِ: 36] .(2)

و وجه مناسبة ذِكرِ هذه الجملة، بعد الأمر بعبادة الله وحده، و الإحسان إلى الناس بكل أصنافهم الذين ذكرهم في الآية؛ هو : أن هذا الإنسان (المختال الفخور ) قد تكبَّرَ على خالقِه الذي أنعم عليه؛ فلم يشكره على نعمه، و لم يؤد حقّها ، و تكبر على عباد الله؛ فلم يحسن إليهم بل استكبر  و تعالى عليهم.
و على هذا: فالجُمْلَةُ هي تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ السّابِقِ. و هذا ما أكّدَتْهُ الآية التي تلتها، حيث قال تعالى : ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾قال الإمام الطبري: (يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يحب المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناسَ بالبخل).(3)فقد بخل هذا الإنسان بما آتاه الله من فضله؛ فلم ينفق على الأصناف الذين ذكرهم الله تعالى في الآية، و لم يحسن إليهم؛ بل كان يحض غيره على البخل أيضاً، و إذا ما أنفقَ؛ فإنما ينفق رياءً و سمعةً ، أو ينفق فيما يغضب الله تعالى، و يرضي الشيطان ، و لذلك قال تعالى في الآية التي بعدها أيضاً : ﴿والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم رِئاءَ النّاسِ ولا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ ومَن يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِينًا فَساءَ قَرِينًا ۝٣٨﴾يقول ابن كثير: ( يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ أَنْ يُنْفِقُوهَا فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ -مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقَارِبِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى، وَالْجَارِ الجُنُب، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنَ الْأَرِقَّاءِ -وَلَا يَدْفَعُونَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا، وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أَيْضًا).(4)
و يقول ابن عاشور : ( وَجُمْلَةُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً﴾ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ سَمَّاهُمْ، بِذَمِّ مَوَانِعِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمُ الْغَالِبَةِ عَلَى الْبَشَرِ. [أي: الاختيال و التكبر هما من موانع الإحسان].
ثم قال : وَالِاخْتِيَالُ: التَّكَبُّرُ، … وَالْفَخُورُ: الشَّدِيدُ الْفَخْرِ بِمَا فَعَلَ. وَكِلَا الْوَصْفَيْنِ مَنْشَأٌ لِلْغِلْظَةِ وَالْجَفَاءِ، فَهُمَا يُنَافِيَانِ الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِحْسَانُ فِي الْمُعَامَلَةِ وَتَرْكُ التَّرَفُّعِ عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ سَبَبٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الِانْتِقَامِ.
وَمَعْنَى نَفْيِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى: نَفْيُ رِضَاهُ وَتَقْرِيبِهِ عَمَّنْ هَذَا وَصْفُهُ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الشِّرْكِ، لِمَا عُرِفُوا بِهِ من الغلطة وَالْجَفَاءِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنْ بَقَايَا الْأَخْلَاقِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا).(5)

بناء على ما سبق :

يوجهنا الله تعالى في هذه الآيات العظيمة إلى وجوب التزام أمره؛ بعبادته وحده لا شريك له، و الاعتراف له بالنعم، و شكره عليها، و توجيهها و توظيفها فيما خُلقتْ له ، و خاصةً في الإنفاق و الإحسان إلى الأصناف التي ذكرها، و غير ذلك مما فيه مرضاته سبحاته و تعالى
كما و يحذرنا سبحانه من الوقوع في موانع الإحسان، كالتكبر و الرياء و الافتخار، و غيرها من الأوصاف التي تحجب العبد عن محبة الله تعالى و تبعده عن رضاه، و الله أعلم.
المصادر و المراجع :
1-تفسير الطبري: [8\349]و ما بعدها ، المسمى : جامع البيان عن تأويل آي القرآن : للإمام أبي جعفر، محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ – ٣١٠هـ) توزيع: دار التربية والتراث – مكة المكرمة
و تفسير ابن كثير: [2\301] و ما بعدها، المسمى : تفسير القرآن العظيم، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ) الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة الثانية ١٤٢٠ هـ – ١٩٩٩ م
2- رواه الإمام أحمد في مسنده : [5\176]
3- تفسير الطبري : [8\350]
4- تفسير ابن كثير : [2\302]
5- كتاب التحرير والتنوير لابن عاشور [5\51] ،  المسمى : «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : ١٣٩٣هـ)، الدار التونسية للنشر – تونس سنة ١٩٨٤ هـ.

الشيخ عبد السميع ياقتي

هو الشيخ عبد السميع ياقتي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ