ما معنى إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما هي السنن التي ينبغي إحياؤها؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما معنى إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما هي السنن التي ينبغي إحياؤها؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

للسنة معانٍ كثيرة في اللغة و الاصطلاح، و يختلف معنى إحيائها على حسب اختلاف معانيها، و يكون إحياؤها بشكل عام باتباع منهج النبي صلى الله عليه و سلم، و هديه القائم على الوسطية و الاعتدال، و عدم ابتداع ما يخالف نهجه، و يكون كذلك بالمحافظة على الأحاديث و حفظها و دراستها و العناية بها، و يكون كذلك بالحفاظ على مكانة السنة من حيث الاحتجاج و الاستدلال بها كالقرآن الكريم، و يكون كذلك بالمحافظة على النوافل من التي هي من جنس العبادات كالسنن الراتبة و صيام التطوع و الصدقات، و كذلك المحافظة على السنن و الآداب المتعلقة بالعادات و أمور الحياة، كالطعام و الشراب و اللباس و النوم و الاستيقاظ و النظافة الشخصية و غيرها، و دعوة الناس إلى العمل بها بعد تعلمها و تعليمها ،و نقلها و نشرها و الحث على التمسك بها و ترك ما يخالفها، و الله تعالى أعلم.

التفصيل و البيان:

لمعرفة معنى إحياء السنة ومن ثم السنن التي ينبغي إحياؤها؛ لابد لنا -أولاً- من معرفة معنى السنة و المراد بها
و نذكِّر -قبل ذلك- بوجوب الأخذ بما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم، و فعل ما أمر به، و ترك ما نهى عنه، كما أمرنا الله تعالى بقوله: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر7]

فالسُّنَّة في اللغة: هي الطريقة والسيرة. وتطلق أيضاً على العرف والعادة والشريعة.(1)

وتطلق السُّنَّة أيضاً على ما يقابل البدعة، قال الشاطبي – رحمه الله -: “ويُطلق – أي لقب السُّنَّة- في مقابلة البدعة فيقال: فلانٌ على سُنَّة إذا عمل على وفق ما عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أولًا ويقال: فلان على بدعة: إذا عمل على خلاف ذلك” (2)

و بناءً على هذه المعاني اللغوية؛ فإنَّ سنة النبي صلى الله عليه و سلم هي: طريقته و منهجه و هديه في الفعل و الترك و الأمر و النهي و القبول و الرد ، و هي طريقة خلفائه الذين سلكوا طريقته في الفعل و الأمر و القبول و الرد .كما قال الإمام عبد الله محفوظ الحداد باعلوي الحضرمي في كتابه القيم “السنة و البدعة”(3)

وقال ابن رجب – رحمه الله -: “السُّنَّة: هي الطريق المسلوك فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السُّنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يطلقون السُّنَّة إلا على ما يشمل ذلك كله، وروي ذلك عن الحسن، والأوزاعي، والفضيل بن عياض” (4) .

وعلى هذه المعاني اللغوية يحمل لفظ السنة الوارد في كثير من الأحاديث الشريفة:

و منها ما رواه مسلم : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورهمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهمْ شَيءٌ» (5)
و منها حديث العِرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فإنَّ كلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَة».(6)
و منها حديث سيدنا جابر رضي الله عنه عند مسلم : « أمَّا بَعْدُ، فَإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ الله، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَة ضَلالَةٌ» (7).
و حديث الرهط الثلاثة وفيه : فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. (8)

و هناك معانٍ اصطلاحية أخرى للسنة، خاصة بكل علم من علوم الشريعة:

فالسنة في اصطلاح المحدثين هي: ما أُثر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقيَّة أو خُلُقيَّة أو سيرة، سواءً كان قبل البعثة أو بعدها ، وما أضيف للصحابة والتابعين من أقوال أو أفعال. (9)
وهي في اصطلاح الأُصوليين تُطلق على:” ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير القرآن، من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أن يكون دليلاً على حكم شرعي” (10).
وأما السنة عند الفقهاء: فلها معنى آخر، وهو : ” ما طالبنا الشرع بفعله طلباً غير جازم؛ بحيث يترتب الثواب على فعله، ولا يترتب العقاب على تركه”. وذلك مثل صلاة الضحى، وقيام الليل، وصيام ستة أيام من شوال، فهي على هذا تقابل الفرض والواجب. و باختصار هي النوافل (11)
و لعل هذا المعنى الأخير هو المراد على حسب ما يُفهم من سياق السؤال

 والمراد بإحياء السنن :

تذكير الناس بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما شرعه لأمته، و حثهم على العمل بسننه، والعلم بها، وتعليمها ونشرها، والحث على التمسك بها، والتحذير من مخالفتها، جاء في فيض القدير: “من أحيا سنة: أي علمها، وعمل بها ونشرها بين الناس، وحث على متابعتها وحذر من مخالفتها”(12)

وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على هذا المعنى، كما روى ابن ماجه و غيره من قول النبي صلى الله عليه و سلم: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِ النَّاسِ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئًا» (13)

أقول: هذا المعنى العام في إحياء السنة، و هناك معانٍ أخرى خاصة في إحياء السنة على حسب ما ورد معنا في تعريفها في اللغة و الاصطلاح:

– فالمعنى المراد من إحياء السنة على حسب معانيها اللغوية (الطريقة و الشريعة و المنهج و الهدي النبوي و مقابلة البدعة):
هو الاتباع و الالتزام بمنهج النبي صلى الله عليه و سلم و هديه القائم على الاعتدال و الوسطية ، بعيداً عن الإفراط و التفريط أو التساهل أو التشدد و التطرف و التنطع أو الابتداع بما يخالف منهجه و طريقته

– و أما الإحياء بمعناه الاصطلاحي عند المحدثين فمعناه : السعي و الاهتمام و العناية بالأحاديث النبوية الشريفة، من حيث المحافظة عليها و حفظها و تعلمها و دراستها و فهمها و تعليمها و نقلها و نشرها بين الناس.

– و أما إحياؤها على حسب المعنى الاصطلاحي عند الأصوليين فيكون: بالمحافظة عليها في كونها مصدراً أساسياً للتشريع مع القرآن الكريم ، من حيث الاحتجاج و العمل و الاستدلال بها على خلاف ما يروجه المشككون و المنكرون للسنة ممن يُسمون أنفسهم ” بالقرآنيين” و قد ذكرهم صلى الله عليه و سلم و بينهم لنا و حذرنا منهم كما في الحديث :” لا أُلفِيَنَّ أحَدَكم يأتيه الأمرُ مِن أمري ممّا نهَيْتُ عنه أو ممّا أمَرْتُ به وهو مُتَّكئٌ على أريكتِه فيقولُ ما وجَدْنا في كتابِ اللهِ اتَّبَعْناه”(14)
و قد ورد هذا الحديث بألفاظ و روايات كثيرة تدور حول هذا المعنى ، و منها : ” عسى أنْ يُكذِّبني رجلٌ وهو مُتكئ على أريكتِهِ، يَبْلُغُهُ الحديثُ عني فيقولُ: ما قال رسولُ اللهِ دَعْ هذا، وهاتِ ما في القُرآنِ.”(15)

– و أما إحياؤها على حسب المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء -و هو المعنى المراد من السؤال هنا و الله أعلم- فيكون :

1- بالمحافظة على النوافل و الآداب و السنن و المستحبات التي هي من جنس العبادات:
كسنن الطهارة و السواك والسنن الراتبة والصلوات النوافل، و صيام التطوع و الصدقات وآداب الدعاء و قراءة القرآن و غيرها الكثير ، كما جاء في الحديث القدسي : ” مَن عادى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ. “(16)

2- بالمحافظة على السنن و الآداب الخاصة في العادات و أمور الحياة و العمل بها :
كآداب الطعام و الشراب و اللباس و الزينة و التطيب و النوم و الاستيقاظ و المشي و السلام و الكلام و المجالس و الزيارة و الضيافة …
و كسنن الفطرة العشرة المتعلقة بالنظافة الشخصية الواردة في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها :” عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشّارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيَةِ، والسِّواكُ، واسْتِنْشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظْفارِ، وغَسْلُ البَراجِمِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وحَلْقُ العانَةِ، وانْتِقاصُ الماءِ. قالَ زَكَرِيّا: قالَ مُصْعَبٌ: ونَسِيتُ العاشِرَةَ إلّا أنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ. زادَ قُتَيْبَةُ، قالَ وكِيعٌ: انْتِقاصُ الماءِ: يَعْنِي الاسْتِنْجاءَ.”(17) رواه مسلم
و غير ذلك من الأحاديث الكثيرة و المشهورة

فهذه هي معاني إحياء السنة و الله تعالى أعلم

بناء على ما سبق :

أدعوك أخي السائل الكريم إلى تعلم هذه السنن أولاً و فهم المراد منها و كيفية تطبيقها، ثم العمل بها و العمل على تعليمها و نقلها ونشرها بين الناس، مع الإخلاص و الصدق في إرادة الخير للأمة، لنكون ممن يحيي سنة النبي صلى الله عليه و سلم بين أمته؛ فينال رتبة الخلافة و التبليغ عنه، فيحظى بقربه و معيته ومحبته، و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

المراجع و المصادر :

1- مقاييس اللغة، ابن فارس [3\60]
2- الموافقات، للشاطبي [4\4]
3- كتاب السنة و البدعة للإمام عبد الله محفوظ الحداد باعلوي الحضرمي ، صفحة (6).
4- جامع العلوم والحكم، لابن رجب ، ص (262)
5- صحيح مُسْلِم : رقم (1017).
6- سنن أبي داود (4607)، وابنُ ماجه (43) ، والترمذي (2676).
7- صحيح مُسْلِم : رقم (867).
8- صحيح البُخاريُّ: رقم (5063) ، و صحيح مُسْلِم : رقم (1401)
9- ينظر: توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر الدمشقي، ص 3، واليواقيت والدرر في شرح نخبة أهل الفكر، ابن حجر [2\193].
10-الموافقات، للشاطبي [4\3]
11- ينظر: غاية البيان شرح زبد ابن رسلان للمؤلف: شمس الدين الرملي (ت ١٠٠٤هـ) ،دار المعرفة – بيروت صفحة (48). و كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي لمجموعة من المؤلفين، دار القلم، دمشق، [1\24]
12- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمؤلف: زين الدين محمد المناوي القاهري (ت ١٠٣١هـ)، المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة: الأولى، [2\9]
13- سنن ابن ماجه : رقم (210)
14- المعجم الأوسط للطبراني: [8\350]
15- أخرجه أبو داود (4605)، والترمذي (2663)، وابن ماجه (13) بنحوه، وأحمد (23861)، و أبو يعلى (1813) ، و غيرهم
16- صحيح البخاري : رقم (6502)
17- صحيح مسلم : رقم (261)

[الشيخ] عبد السميع ياقتي

الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد إعداد أطروحة الدكتوراة في جامعة محمد الفاتح في إسطنبول

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، رحمهم الله، والشيخ الدكتور محمود مصري، والعلامة الحبيب عمر بن سالم بن حفيظ و الشيخ عمر بن حسين الخطيب والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم من علماء الشام وحضرموت والإمارات.

عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ